ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون .
عطف على قوله
كنتم خير أمة أخرجت للناس لأن ذلك التفضيل قد غمر
أهل الكتاب من
اليهود وغيرهم فنبههم هذا العطف إلى إمكان تحصيلهم على هذا الفضل ، مع ما فيه من التعريض بهم بأنهم مترددون في أتباع الإسلام ، فقد كان
مخيريق مترددا زمانا ثم أسلم ، وكذلك
وفد نجران ترددوا في أمر الإسلام .
وأهل الكتاب يشمل
اليهود والنصارى ، لكن المقصود الأول هنا هم
اليهود ، لأنهم كانوا مختلطين بالمسلمين في
المدينة ، وكان النبيء - صلى الله عليه وسلم - دعاهم إلى الإسلام ، وقصد بيت مدراسهم ، ولأنهم قد أسلم منهم نفر قليل وقال النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341117لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود كلهم .
ولم يذكر متعلق آمن هنا لأن المراد لو اتصفوا بالإيمان الذي هو لقب لدين الإسلام وهو الذي منه أطلقت صلة الذين
[ ص: 53 ] آمنوا على المسلمين فصار كالعلم بالغلبة ، وهذا كقولهم أسلم ، وصبأ ، وأشرك ، وألحد ، دون ذكر متعلقات لهاته الأفعال لأن المراد أنه اتصف بهذه الصفات التي صارت أعلاما على أديان معروفة ، فالفعل نزل منزلة اللازم ، وأظهر منه : تهود ، تنصر ، وتزندق ، وتحنف ، والقرينة على هذا المعنى ظاهرة وهي جعل إيمان
أهل الكتاب في شرط الامتناع ، مع أن إيمانهم بالله معروف لا ينكره أحد . ووقع في الكشاف أن المراد : لو آمنوا الإيمان الكامل ، وهو تكلف ظاهر ، وليس المقام مقامه . وأجمل وجه كون الإيمان خيرا لهم لتذهب نفوسهم كل مذهب في الرجاء والإشفاق . ولما أخبر عن
أهل الكتاب بامتناع الإيمان منهم بمقتضى جعل إيمانهم في حيز شرط لو الامتناعية ، تعين أن المراد من بقي بوصف
أهل الكتاب ، وهو وصف لا يبقي وصفهم به بعد أن يتدينوا بالإسلام ، وكان قد يتوهم أن وصف
أهل الكتاب يشمل من كان قبل ذلك منهم ولو دخل في الإسلام ، وجيء بالاحتراس بقوله
منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون أي منهم من آمن بالنبيء
محمد - صلى الله عليه وسلم - فصدق عليه لقب المؤمن ، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، وكان اسمه
حصينا وهو من
بني قينقاع ، وأخيه ، وعمته ،
خالدة ،
وسعية أو سنعة بن غريض بن عاديا التيماوي ، وهو ابن أخي
السموأل بن عاديا ،
وثعلبة بن سعية ،
وأسد بن سعية القرظي ،
وأسد بن عبيد القرظي ،
ومخيريق من
بني النضير أو من
بني قينقاع ، ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=888أصحمة النجاشي ، فإنه آمن بقلبه وعوض عن إظهاره أعمال الإسلام نصره للمسلمين ، وحمايته لهم ببلده ، حتى ظهر دين الله ، فقبل الله منه ذلك ، ولذلك أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه بأنه كان مؤمنا وصلى عليه حين أوحى إليه بموته . ويحتمل أن يكون المعنى من
أهل الكتاب فريق متق في دينه ، فهو قريب من الإيمان
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهؤلاء مثل من بقي مترددا في الإيمان من دون أن يتعرض لأذى المسلمين ، مثل
النصارى من
نجران ونصارى الحبشة ، ومثل
مخيريق اليهودي قبل أن يسلم ، على الخلاف في إسلامه ، فإنه أوصى بماله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالمراد بإيمانهم
[ ص: 54 ] صدق الإيمان بالله وبدينهم ، وفريق منهم فاسق عن دينه ، محرف له ، مناو لأهل الخير ، كما قال تعالى :
ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس مثل الذين سموا الشاة لرسول الله يوم
خيبر ، والذين حاولوا أن يرموا عليه صخرة .