(
بل يريد الإنسان ليفجر أمامه
بل إضراب انتقالي إلى ذكر حال آخر من أحوال فجورهم ، فموقع الجملة بعد ( بل ) بمنزلة الاستئناف الابتدائي للمناسبة بين معنى الجملتين ، أي لما دعوا إلى الإقلاع عن الإشراك وما يستدعيه من الآثام وأنذروا بالعقاب عليه يوم القيامة كانوا مصممين على الاسترسال في الكفر .
والفجور : فعل السوء الشديد ويطلق على الكذب ، ومنه وصفت اليمين الكاذبة بالفاجرة ، فيكون فجر بمعنى كذب وزنا ومعنى ، فيكون قاصرا ومتعديا مثل فعل كذب . مخفف الذال ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال - يعني الكافر - يكذب بما أمامه . وعن
ابن قتيبة : أن أعرابيا سأل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أن يحمله على راحلة وشكا دبر راحلته فاتهمه
عمر فقال الأعرابي :
ما مسها من نقب ولا دبر أقسم بالله أبو حفص عمر فاغفر له اللهم إن كان فجر
[ ص: 342 ] قال : يعني إن كان نسبني إلى الكذب .
وقوله (
يريد الإنسان ) يجوز أن يكون إخبارا عما في نفوس أهل الشرك من محبة الاسترسال فيما هم عليه من الفسق والفجور .
ويجوز أن يكون استفهاما إنكاريا موافقا لسياق ما قبله من قوله (
أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) .
وأعيد لفظ ( الإنسان ) إظهارا في مقام الإضمار لأن المقام لتقريعه والتعجيب من ضلاله .
وكرر لفظ ( الإنسان ) في هذه السورة خمس مرات لذلك ، مع زيادة ما في تكرره في المرة الثانية والمرتين الرابعة والخامسة من خصوصية لتكون تلك الجمل الثلاث التي ورد ذكره فيها مستقلة بمفادها .
واللام في قوله ( ليفجر ) هي اللام التي يكثر وقوعها بعد مادتي الأمر والإرادة نحو (
وأمرت لأعدل بينكم ) (
يريد الله ليبين لكم ) وقول
كثير :
أريد لأنسى حبها فكأنما تمثل لي ليلى بكل مكان
وينتصب الفعل بعدها بـ ( أن ) مضمرة ، لأنه أصل هذه اللام لام التعليل ولذلك قيل هي لام التعليل وقيل زائدة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن الفعل الذي قبل هذه اللام مقدر بمصدر مرفوع على الابتداء وأن اللام وما بعدها خبره ، أي إرادتهم للفجور . واتفقوا على أن لا مفعول للفعل الواقع بعدها ، ولهذا الاستعمال الخاص بها . قال
النحاس : سماها بعض القراء لام أن . وتقدم الكلام عليها في مواضع منها عند قوله تعالى (
يريد الله ليبين لكم ) في سورة النساء .
وأمام : أصله اسم للمكان الذي هو قبالة من أضيف هو إليه وهو ضد خلف ، ويطلق مجازا على الزمان المستقبل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يكذب بيوم الحساب ، وقال
عبد الرحمان بن زيد : يكذب بما أمامه سفط .
وضمير ( أمامه ) يجوز أن يعود إلى الإنسان ، أي في مستقبله ، أي من عمره فيمضي قدما راكبا رأسه لا يقلع عما هو فيه من الفجور فينكر البعث فلا يزع نفسه عما لا يريد أن يزعها من الفجور . وإلى هذا المعنى نحا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأصحابه .
[ ص: 343 ] ويجوز أن يكون ( أمامه ) أطلق على اليوم المستقبل مجازا . وإلى هذا نحا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية عنه
وعبد الرحمان بن زيد ، ويكون ( يفجر ) بمعنى يكذب ، أي يكذب باليوم المستقبل .