(
كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة
رجوع إلى مهيع الكلام الذي بنيت عليه السورة كما يرجع المتكلم إلى وصل كلامه بعد أن قطعه عارض أو سائل ، فكلمة ( كلا ) ردع وإبطال . يجوز أن يكون إبطالا لما سبق من قوله (
أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) إلى قوله (
ولو ألقى معاذيره ) فأعيد ( كلا ) تأكيدا لنظيره ووصلا للكلام بإعادة آخر كلمة منه .
والمعنى : أن مزاعمهم باطلة .
وقوله ( بل يحبون العاجلة ) إضراب إبطالي يفصل ما أجمله الردع بـ ( كلا ) من إبطال ما قبلها وتكذيبه ، أي لا معاذير لهم في نفس الأمر ولكنهم أحبوا العاجلة ، أي شهوات الدنيا وتركوا الآخرة ، والكلام مشعر بالتوبيخ ، ومناط التوبيخ هو حب العاجلة مع نبذ الآخرة فأما لو أحب أحد العاجلة وراعى الآخرة ، أي جرى على الأمر والنهي الشرعيين لم يكن مذموما . قال تعالى فيما حكاه عن الذين أوتوا العلم من قوم قارون (
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) .
ويجوز أن يكون إبطالا لما تضمنه قوله (
ولو ألقى معاذيره ) فهو استئناف ابتدائي . والمعنى : أن معاذيرهم باطلة ولكنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة ، أي آثروا شهواتهم العاجلة ولم يحسبوا للآخرة حسابا .
وقرأ الجمهور ( تحبون ) و ( تذرون ) بتاء فوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في موعظة المشركين مواجهة بالتفريع لأنه ذلك أبلغ فيه . وقرأه
ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بياء تحتية على نسق ضمائر الغيبة السابقة ، والضمير عائد إلى ( الإنسان ) في قوله (
بل الإنسان على نفسه بصيرة ) جاء ضمير جمع لأن الإنسان مراد به الناس المشركون ، وفي قوله : (
بل تحبون ) ما يرشد إلى
[ ص: 352 ] تحقيق معنى الكسب الذي وفق إلى بيانه الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري وهو الميل والمحبة للفعل أو الترك .