لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون .
استئناف نشأ عن قوله
وأكثرهم الفاسقون ، لأن الإخبار عن أكثرهم بأنهم غير مؤمنين يؤذن بمعاداتهم للمؤمنين ، وذلك من شأنه أن يوقع في نفوس المسلمين خشية من بأسهم ، وهذا يختص
باليهود ، فإنهم كانوا منتشرين حيال
المدينة في
خيبر ،
والنضير ،
وقينقاع ،
وقريظة ، وكانوا أهل مكر ، وقوة ، ومال ، وعدة ، وعدد ، والمسلمون يومئذ في قلة فطمأن الله المسلمين بأنهم لا يخشون بأس
أهل الكتاب ، ولا يخشون ضرهم ، لكن أذاهم .
أما
النصارى فلا ملابسة بينهم وبين المسلمين حتى يخشوهم . والأذى هو الألم الخفيف وهو لا يبلغ حد الضر الذي هو الألم ، وقد قيل : هو الضر بالقول فيكون كقول
إسحاق بن خلف :
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ وكنت أبقي عليها من أذى الكلم
ومعنى
يولوكم الأدبار يفرون منهزمين .
وقوله
ثم لا ينصرون احتراس أي يولوكم الأدبار تولية منهزمين لا تولية متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة ، أو متأملين في الأمر . وفي العدول عن جعله معطوفا على جملة الجواب إلى جعله معطوفا على جملتي الشرط وجزائه معا ، إشارة إلى أن هذا ديدنهم وهجيراهم ، لو قاتلوكم ، وكذلك في قتالهم غيركم .
[ ص: 55 ] و ثم لترتيب الأخبار دالة على تراخي الرتبة . ومعنى تراخي الرتبة كون رتبة معطوفها أعظم من رتبة المعطوف عليه في الغرض المسوق له الكلام . وهو غير التراخي المجازي ، لأن التراخي المجازي أن يشبه ما ليس بمتأخر عن المعطوف بالمتأخر عنه .
وهذا كله وعيد لهم بأنهم سيقاتلون المسلمين ، وأنهم ينهزمون ، وإغراء للمسلمين بقتالهم .