إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا
استئناف بياني لبيان ما نشأ عن جملة ( نبتليه ) ولتفصيل جملة (
فجعلناه سميعا بصيرا ) ، وتخلص إلى الوعيد على الكفر والوعد على الشكر .
وهداية السبيل : تمثيل لحال المرشد . والسبيل : الطريق الجادة إلى ما فيه النفع بواسطة الرسل إلى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة التي هي سبب فوزه بالنعيم الأبدي ، بحال من يدل السائر على الطريق المؤدية إلى مقصده من سيره .
وهذا التمثيل ينحل إلى تشبيهات أجزاء الحالة المركبة المشبهة بأجزاء الحالة المشبه بها ، فالله تعالى كالهادي ، والإنسان يشبه السائر المتحير في الطريق ، وأعمال الدين تشبه الطريق ، وفوز المتتبع لهدي الله يشبه البلوغ إلى المكان المطلوب .
وفي هذا النداء على أن الله أرشد الإنسان إلى الحق وأن بعض الناس أدخلوا على أنفسهم ضلال الاعتقاد ومفاسد الأعمال فمن برأ نفسه من ذلك فهو الشاكر
[ ص: 376 ] وغيره الكفور ، وذلك تقسيم بحسب حال الناس في أول البعثة ، ثم ظهر من خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا .
وتأكيد الخبر بـ ( إن ) للرد على المشركين الذين يزعمون أن ما يدعوهم إليه القرآن باطل .
و (
إما شاكرا وإما كفورا ) حالان من ضمير الغيبة في هديناه ، وهو ضمير ( الإنسان ) .
و ( إما ) حرف تفصيل ، وهو حرف بسيط عند الجمهور . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هو مركب من حرف ( إن ) الشرطية و ( ما ) النافية . وقد تجردت ( إن ) بالتركيب على الشرطية كما تجردت ( ما ) عن النفي ، فصار مجموع ( إما ) حرف تفصيل ولا عمل لها في الاسم بعدها ولا تمنع العامل الذي قبلها عن العمل في معموله الذي بعدها فهي في ذلك مثل ( ال ) حرف التعريف . وقدر بعض النحاة ( إما ) الثانية حرف عطف وهو تحكم إذ جعلوا الثانية عاطفة وهي أخت الأولى ، وإنما العاطف الواو وإما مقحمة بين الاسم ومعموله كما في قول
تأبط شرا :
هما خطتا إما إسـار ومـنة وإما دم والموت بالحر أجدر
فإن الاسمين بعد ( إما ) في الموضعين من البيت مجروران بالإضافة ولذلك حذفت النون من قوله : هما خطتا ، وذلك أفصح كما جاء في هذه الآية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : أما من جر ( إسار ) فإنه حذف النون للإضافة ولم يعتد ( إما ) فاصلا بين المضاف والمضاف إليه وعلى هذا تقول : هما إما غلاما زيد وإما عمرو وأجود من هذا أن تقول : هما خطتا إسار ومنة وإما خطتا دم ثم قال : وأما الرفع فطريق المذهب ، وظاهر أمره أنه على لغة من حذف النون لغير الإضافة فقد حكي ذلك ، إلخ .
ومقتضى كلامه أن البيت روي بالوجهين الجر والرفع وقريب منه كلام
المرزوقي وزاد فقال : وحذف النون إذا رفعت " إسار " استطالة للاسم كأنه استطال خطتا ببدله وهو قوله : إما إسار ، إلخ .
والمعنى : إنا هديناه السبيل في حال أنه متردد أمره بين أحد هذين الوصفين
[ ص: 377 ] وصف شاكر ووصف كفور ، فأحد الوصفين على الترديد مقارن لحال إرشاده إلى السبيل ، وهي مقارنة عرفية ، أي عقب التبليغ والتأمل ، فإن أخذ بالهدى كان شاكرا وإن أعرض كان كفورا كمن لم يأخذ بإرشاد من يهديه الطريق فيأخذ في طريق يلقى به السباع أو اللصوص ، وبذلك تم التمثيل الذي في قوله (
إنا هديناه السبيل ) .