ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا
أتبع وصف الآنية ومحاسنها بوصف الشراب الذي يحويه وطيبه ، فالكأس كأس الخمر وهي من جملة عموم الآنية المذكورة فيما تقدم ولا تسمى آنية الخمر
[ ص: 395 ] كأسا إلا إذا كان فيها خمر فكون الخمر فيها هو مصحح تسميتها كأسا ، ولذلك حسن تعدية فعل السقي إلى الكأس لأن مفهوم الكأس يتقوم بما في الإناء من الخمر ، ومثل هذا قول
الأعشى :
وكأس شربت على لـذة وأخرى تداويت منها بها
يريد : وخمر شربت .
والقول في إطلاق الكأس على الإناء أو على ما فيه كالقول في نظيره المتقدم في قوله (
إن الإبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) .
ومعنى الآية أن هذه سقية أخرى ، أي مرة يشربون من كأس مزاجها الكافور ومرة يسقون كأسا مزاجها الزنجبيل .
وضمير ( فيها ) للجنة من قوله (
جنة وحريرا ) .
وزنجبيل : كلمة معربة وأصلها بالكاف الأعجمية عوض الجيم . قال
الجواليقي والثعالبي : هي فارسية ، وهو اسم لجذور مثل جذور السعد بضم السين وسكون العين تكون في الأرض كالجزر الدقيق واللفت الدقيق لونها إلى البياض لها نبات له زهر ، وهي ذات رائحة عطرية طيبة وطعمها شبيه بطعم الفلفل ، وهو ينبت ببلاد
الصين والسند وعمان والشحر ، وهو أصناف أحسنها ما ينبت ببلاد
الصين ، ويدخل في الأدوية والطبخ كالأفاوية ورائحته بهارية وطعمه حريف . وهو منبه ويستعمل منقوعا في الماء ومربى بالسكر .
وقد عرفه العرب وذكره شعراء العرب في طيب الرائحة .
أي يمزجون الخمر بالماء المنقوع فيه الزنجبيل لطيب رائحته وحسن طعمه .
وانتصب ( عينا ) على البدل من ( زنجبيلا ) كما تقدم في قوله (
كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله ) .
ومعنى كون الزنجبيل عينا : أن منقوعه أو الشراب المستخرج منه كثير كالعين على نحو قوله تعالى (
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ) ، أي هو كثير جدا وكان يعرف في الدنيا بالعزة .
[ ص: 396 ] و ( سلسبيل ) : وصف قيل مشتق من السلاسة وهي السهولة واللين فيقال : ماء سلسل ، أي عذب بارد قيل زيدت فيه الباء والياء - أي زيدتا في أصل الوضع على غير قياس - .
قال
التبريزي في شرح الحماسة في قول
البعيث بن حريث :
خيال لأم السلسبيل ودونهـا مسيرة شهر للبريد المذبذب
قال
أبو العلاء : السلسبيل الماء السهل المساغ . وعندي أن هذا الوصف ركب من مادتي السلاسة والسبالة ، يقال : سبلت السماء ، إذا أمطرت ، فسبيل : فعيل بمعنى مفعول ، ركب من كلمتي السلاسة والسبيل لإرادة سهولة شربه ووفرة جريه . وهذا من الاشتقاق الأكبر وليس باشتقاق تصريفي .
فهذا وصف من لغة العرب عند محققي أهل اللغة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : لم أسمع هذه اللفظة إلا في القرآن ، فهو عنده من مبتكرات القرآن الجارية على أساليب الكلام العربي ، وفي حاشية
الهمذاني على الكشاف نسبة بيت البعيث المذكور آنفا مع بيتين بعده إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت وهو عزو غريب لم يقله غيره .
ومعنى تسمى على هذا الوجه ، أنها توصف بهذا الوصف حتى صار كالعلم لها كما قال تعالى (
ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ) أي يصفونهم بأنهم إناث ، ومنه قوله تعالى (
هل تعلم له سميا ) أي لا مثيل له . فليس المراد أنه علم .
ومن المفسرين من جعل التسمية على ظاهرها وجعل ( سلسبيلا ) علما على هذه العين ، وهو أنسب بقوله تعالى تسمى . وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي والجمهور لا إشكال في تنوين ( سلسبيلا ) . وأما
الجواليقي : إنه أعجمي سمي به ، يكون تنوينه للمزاوجة مثل تنوين ( سلاسلا ) .
وهذا الوصف ينحل في السمع إلى كلمتين : سل ، سبيلا ، أي اطلب طريقا . وقد فسره بذلك بعض المفسرين وذكر أنه جعل علما لهذه العين من قبيل العلم المنقول عن جملة مثل : تأبط شرا ، وذرى حبا . وفي الكشاف أن هذا تكلف وابتداع .