عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة ( ) هذه أشياء من شعار الملوك في عرف الناس زمانئذ ، فهذا مرتبط بقوله (
وملكا كبيرا ) .
وقرأ
نافع وحمزة وأبو جعفر (
عاليهم ) بسكون الياء على أن الكلام جملة مستأنفة استئنافا بيانيا لجملة ( رأيت نعيما وملكا كبيرا ) ، فـ ( عاليهم ) مبتدأ و (
ثياب سندس ) فاعله ساد مسد الخبر وقد عمل في فاعله وإن لم يكن معتمدا على نفي أو استفهام أو وصف ، وهي لغة
خبير بنو لهب وتكون الجملة في موضع البيان لجملة (
رأيت نعيما ) .
وقرأ بقية العشرة ( عاليهم ) بفتح التحتية على أنه حال مفرد لـ ( الأبرار ) ، أي تلك حالة أهل الملك الكبير .
وإضافة ثياب إلى سندس بيانية مثل : خاتم ذهب ، وثوب خز . أي منه .
والسندس : الديباج الرقيق .
[ ص: 399 ] والإستبرق : الديباج الغليظ وتقدما عند قوله تعالى (
ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ) في سورة الكهف وهما معربان .
فأما السندس فمعرب عن اللغة الهندية وأصله ( سندون ) بنون في آخره ، قيل : إن سبب هذه التسمية أنه جلب إلى
الإسكندر ، وقيل له : إن اسمه ( سندون ) فصيره للغة
اليونان سندوس - لأنهم يكثرون تنهية الأسماء بحرف السين - وصيره العرب سندسا . وفي اللسان : أن السندس يتخذ من المرعزى - كذا ضبطه مصححه - والمعروف المرعز كما في التذكرة وشفاء الغليل . وفي التذكرة المرعز : ما نعم وطال من الصوف اهـ . فلعله صوف حيوان خاص فيه طول أو هو من نوع الشعر ، والظاهر أنه لا يكون إلا أخضر اللون لقول
يزيد بن حذاق العبدي يصف مرعى فرسه :
وداويتها حتى شتت حبشية كأن عليها سندسا وسدوسا
أي في أرض شديدة الخضرة كلون الحبشي . وفي اللسان : السدوس الطيلسان الأخضر . ولقول
أبي تمام يرثي
محمد بن حميد النبهاني الطوسي :
تردى ثياب الموت حمرا فما أتـى لها الليل إلا وهي من سندس خضر
وأما الإستبرق فنسج من نسج الفرس واسمه فارسي ، وأصله في الفارسية : استقره .
والمعنى : أن فوقهم ثيابا من الصنفين يلبسون هذا وذاك جمعا بين محاسن كليهما ، وهي أفخر لباس الملوك وأهل الثروة .
ولون الأخضر أمتع للعين وكان من شعار الملوك . قال
النابغة يمدح ملوك
غسان :
يصونون أجسادا قديما نعيمـهـا بخالصة الأردان خضر المناكب
والظاهر أن السندس كان لا يصبغ إلا أخضر اللون .
وقرأ
نافع وحفص ( خضر ) بالرفع على الصفة لـ ( ثياب ) . و ( إستبرق ) بالرفع أيضا على أنه معطوف على ثياب بقيد كونها من سندس فمعنى عاليهم إستبرق : أن الإستبرق لباسهم .
[ ص: 400 ] وقرأ
ابن كثير وأبو بكر عن
عاصم ( خضر ) بالجر نعتا لـ ( سندس ) ، و ( إستبرق ) بالرفع عطفا على ( ثياب ) .
وقرأ
ابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب ( خضر ) بالرفع و ( إستبرق ) بالجر عطفا على ( سندس ) بتقدير : وثياب إستبرق .
وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( خضر ) بالجر نعتا لـ ( سندس ) باعتبار أنه بيان للثياب فهو في معنى الجمع . وقرءا و (
إستبرق ) بالجر عطفا على سندس .
والأساور : جمع سوار وهو حلي شكله أسطواني فارغ الوسط يلبسه النساء في معاصمهن ولا يلبسه الرجال إلا الملوك ، وقد ورد في الحديث ذكر سواري
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى .
والمعنى : أن حال رجال أهل الجنة حال الملوك ومعلوم أن النساء يتحلين بأصناف الحلي .
ووصفت الأساور هنا بأنها (
من فضة ) . وفي سورة الكهف بأنها (
من ذهب ) في قوله (
يحلون فيها من أساور من ذهب ) ، أي مرة يحلون هذه ومرة الأخرى ، أو يحلونهما جميعا بأن تجعل متزاوجة لأن ذلك أبهج منظرا كما ذكرناه في تفسير قوله (
كانت قوارير قوارير من فضة ) .