إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا
استئناف ابتدائي للانتقال من بسط التذكير والاستدلال إلى فذلكة الغرض وحوصلته ، إشعارا بانتهاء المقصود وتنبيها إلى فائدته ، ووجه الانتفاع به ، والحث على التدبر فيه ، واستثمار ثمرته ، وباعتبار ما تفرع عن هذه الجملة من قوله (
فمن شاء اتخذ ) إلخ يقوى موقع الفذلكة للجملة وتأكيد الكلام بحرف ( إن ) لأن حال المخاطبين عدم اهتمامهم بها فهم ينكرون أنها تذكرة .
والإشارة إلى الآيات المتقدمة أو إلى السورة ولذلك أتي باسم الإشارة المؤنث .
والتذكرة : مصدر ذكره مثل التزكية ، أي أكلمه كلاما يذكره به ما عسى أن يكون نسيه أطلقت هنا على الموعظة بالإقلاع عن عمل سيئ والإقبال على عمل صالح وعلى وضوح الخير والشر لمن تذكر ، أي تبصر بتشبيه حالة المعرض عن الخير المشغول عنه بحالة الناسي له لأن شأنه ألا يفرط فيه إلا من كان ناسيا لما فيه من نفع له .
وفرع عليه الحث على سلوك سبيل مرضاة الله بقوله (
فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) ، أي ليس بعد هذه التذكرة إلا العمل بها إذا شاء المتذكر أن يعمل بها .
ففي قوله ( من شاء ) حث على المبادرة بذلك لأن مشيئة المرء في مكنته فلا يمنعه منها إلا سوء تدبيره .
وهذا حث وتحريض فيه تعريض للمشركين بأنهم أبوا أن يتذكروا عنادا وحسدا .
واتخاذ السبيل : سلوكه ، عبر عن السلوك بالاتخاذ على وجه الاستعارة بتشبيه
[ ص: 412 ] ففي قوله (
اتخذ إلى ربه سبيلا ) استعارتان لأن السبيل مستعار لسبب الفوز بالنعيم والزلفى .
ويتعلق قوله (
إلى ربه ) بـ " سبيلا " ، أي سبيلا مبلغة إلى الله ، ولا يختلف العقلاء في شرف ما يوصل إلى الرب أي إلى إكرامه لأن ذلك قرارة الخيرات ولذلك عبر برب مضافا إلى ضمير ( من شاء ) إذ سعادة العبد في الحظوة عند ربه .
وهذه السبيل هي التوبة فالتائب مثل الذي كان ضالا ، أو آبقا فاهتدى إلى الطريق التي يرجع منها إلى مقصده ، أو سلك الطريق إلى مولاه .
وقد تقدم نظير هذه الآية في سورة المزمل .