والجبال أوتادا
عطف على
الأرض مهادا فالواو عاطفة ( الجبال ) على ( الأرض ) ، وعاطفة ( أوتادا ) على ( مهادا ) ، وهذا من العطف على معمولي عامل واحد وهو وارد في الكلام الفصيح وجائز باتفاق النحويين ; لأن حرف العطف قائم مقام العامل .
والأوتاد : جمع وتد ، بفتح الواو وكسر المثناة الفوقية . والوتد : عود غليظ شيئا ، أسفله أدق من أعلاه ، يدق في الأرض لتشد به أطناب الخيمة وللخيمة أوتاد كثيرة
[ ص: 15 ] على قدر اتساع دائرتها ، والإخبار عن الجبال بأنها أوتاد على طريقة التشبيه البليغ ، أي : كالأوتاد .
ومناسبة ذكر الجبال دعا إليها ذكر الأرض ، وتشبيهها بالمهاد الذي يكون داخل البيت ، فلما كان البيت من شأنه أن يخطر ببال السامع من ذكر المهاد كانت الأرض مشبهة بالبيت على طريقة المكنية ، فشبهت جبال الأرض بأوتاد البيت تخييلا للأرض مع جبالها بالبيت ومهاده وأوتاده .
وأيضا فإن كثرة الجبال الناتئة على وجه الأرض قد يخطر في الأذهان أنها لا تناسب جعل الأرض مهادا ، فكان تشبيه الجبال بالأوتاد مستملحا بمنزلة حسن الاعتذار ، فيجوز أن تكون الجبال مشبهة بالأوتاد في مجرد الصورة مع هذا التخييل كقولهم : رأيت أسودا غابها الرماح . ويجوز أن تكون الجبال مشبهة بأوتاد الخيمة في أنها تشد الخيمة من أن تقلعها الرياح أو تزلزلها ، بأن يكون في خلق الجبال للأرض حكمة لتعديل سبح الأرض في الكرة الهوائية ؛ إذ نتو الجبال على الكرة الأرضية يجعلها تكسر تيار الكرة الهوائية المحيطة بالأرض فيعتدل تياره حتى تكون حركة الأرض في كرة الهواء غير سريعة .
على أن غالب سكان الأرض وخاصة العرب لهم
منافع جمة في الجبال ؛ فمنها مسايل الأودية ، وقرارات المياه في سفوحها ، ومراعي أنعامهم ، ومستعصمهم في الخوف ، ومراقب الطرق المؤدية إلى ديارهم إذا طرقها العدو ، ولذلك كثر ذكر الجبال مع ذكر الأرض .
فكانت جملة
والجبال أوتادا إدماجا معترضا بين جملة
ألم نجعل الأرض مهادا وجملة
وخلقناكم أزواجا .