صفحة جزء
فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا

الفاء للتفريع والتسبب على جملة إن جهنم كانت مرصادا وما اتصل بها ، ولما غير أسلوب الخبر إلى الخطاب بعد أن كان جاريا بطريق الغيبة - ولم يكن مضمون الخبر مما يجري في الدنيا فيظن أنه خطاب تهديد للمشركين - تعين أن يكون المفرع قولا محذوفا دل عليه فعل ( ذوقوا ) الذي لا يقال إلا يوم الجزاء ، [ ص: 42 ] فالتقدير : فيقال لهم ذوقوا إلى آخره ، ولهذا فليس في ضمير الخطاب التفات ، فالمفرع بالفاء هو فعل القول المحذوف .

والأمر في ذوقوا مستعمل في التوبيخ والتقريع .

وفرع على ( فذوقوا ) ما يزيد تنكيدهم وتحسيرهم بإعلامهم بأن الله سيزيدهم عذابا فوق ما هم فيه .

والزيادة : ضم شيء إلى غيره من جنس واحد أو غرض واحد ، قال تعالى : فزادتهم رجسا إلى رجسهم وقال ولا تزد الظالمين إلا تبارا ، أي : لا تزدهم - على ما هم فيه من المساوي - إلا الإهلاك .

فالزيادة المنفية في قوله : فلن نزيدكم إلا عذابا يجوز أن تكون زيادة نوع آخر من عذاب يكون حاصلا لهم كما في قوله تعالى : زدناهم عذابا فوق العذاب .

ويجوز أن تكون زيادة من نوع ما هم فيه من العذاب بتكريره في المستقبل .

والمعنى : فسنزيدكم عذابا زيادة مستمرة في أزمنة المستقبل ، فصيغ التعبير عن هذا المعنى بهذا التركيب الدقيق ؛ إذ ابتدئ بنفي الزيادة بحرف تأبيد النفي وأردف الاستثناء المقتضي ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى فصارت دلالة الاستثناء على معنى : سنزيدكم عذابا مؤبدا . وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده وهو أسلوب طريف من التأكيد ؛ إذ ليس فيه إعادة لفظ ، فإن زيادة العذاب تأكيد للعذاب الحاصل .

ولما كان المقصود الوعيد بزيادة العذاب في المستقبل جيء في أسلوب نفيه بحرف نفي المستقبل ، وهو ( لن ) المفيد تأكيد النسبة المنفية وهي ما دل عليه مجموع النفي والاستثناء ، فإن قيد تأبيد نفي الزيادة - الذي يفيده حرف ( لن ) في جانب المستثنى منه - يسري إلى إثبات زيادة العذاب في جانب المستثنى ، فيكون معنى جملة الاستثناء : سنزيدكم عذابا أبدا ، وهو معنى الخلود في العذاب . وفي هذا الأسلوب ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس ، وذلك أشد حزنا وغما بما يوهمهم أن ما ألقوا فيه هو منتهى التعذيب حتى إذا ولج ذلك أسماعهم فحزنوا له أتبع بأنهم [ ص: 43 ] ينتظرهم عذاب آخر أشد ، فكان ذلك حزنا فوق حزن ، فهذا منوال هذا النظم وهو مؤذن بشدة الغضب .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبي برزة الأسلمي ، وأبي هريرة : أن هذه الآية أشد ما نزل في أهل النار ، وقد أسند هذا إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - من حديث عن أبي برزة الأسلمي : سألت النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار ؟ فقال : قول الله تعالى فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا . وفي سنده جسر بن فرقد وهو ضعيف جدا .

وفي ابن عطية : أن أبا هريرة رواه عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكر ابن عطية سنده ، وتعدد طرقه يكسبه قوة .

التالي السابق


الخدمات العلمية