[ ص: 51 ] يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا .
( يوم ) متعلق بقوله :
لا يملكون منه خطابا أي : لا يتكلم أحد يومئذ إلا من أذن له الله .
وجملة
لا يتكلمون مؤكدة لجملة
لا يملكون منه خطابا أعيدت بمعناها لتقرير المعنى ؛ إذ كان المقام حقيقا ، فالتقرير لقصد التوصل به إلى الدلالة على
إبطال زعم المشركين شفاعة أصنامهم لهم عند الله ، وهي دلالة بطريق الفحوى فإنه إذا نفي تكلمهم بدون إذن نفيت شفاعتهم ؛ إذ الشفاعة كلام من له وجاهة وقبول عند سامعه .
وليبنى عليها الاستثناء لبعد ما بين المستثنى والمستثنى منه بمتعلقات ( يملكون ) من مجرور ومفعول به وظرف وجملة أضيف لها .
وضمير ( يتكلمون ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير ( يملكون ) .
والقول في تخصيص
لا يتكلمون مثل القول في تخصيص
لا يملكون منه خطابا وقوله :
إلا من أذن له الرحمن استثناء من ضمير
لا يتكلمون وإذ قد كان مؤكدا لضمير
لا يملكون فالاستثناء منه يفهم الاستثناء من المؤكد به .
والقيام : الوقوف ، وهو حالة الاستعداد للعمل الجد وهو من أحوال العبودية الحق التي لا تستحق إلى لله تعالى ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002791من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار أي : لأن ذلك من الكبرياء المختصة بالله تعالى .
والروح : اختلف في المراد منه اختلافا أثاره عطف الملائكة عليه ، فقيل : هو
جبريل . وتخصيصه بالذكر قبل ذكر الملائكة المعطوف عليه لتشريف قدره بإبلاغ الشريعة ، وقيل : المراد أرواح بني
آدم .
واللام لتعريف الجنس : فالمفرد معها والجمع سواء ، والمعنى : يوم تحضر الأرواح
[ ص: 52 ] لتودع في أجسادها ، وعليه يكون فعل ( يقوم ) مستعملا في حقيقته ومجازه .
والملائكة عطف على الروح أي : ويقوم الملائكة صفا .
والصف : اسم للأشياء الكائنة في مكان يجانب بعضها بعضا كالخط . وقد تقدم في قوله تعالى :
ثم ائتوا صفا في سورة طه وفي قوله :
فاذكروا اسم الله عليها صواف في سورة الحج ، وهو تسمية بالمصدر من إطلاق المصدر على اسم الفاعل وأصله للمبالغة ثم صار اسما ، وإنما يصطف الناس في المقامات التي يكون فيها أمر عظيم فصف الملائكة تعظيم لله وخضوع له .
والإذن : اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل للمأذون ، وهو مشتق من : أذن له ، إذا استمع إليه قال تعالى :
وأذنت لربها وحقت أي : استمعت وطاعت لإرادة الله . وأذن : فعل مشتق من اسم الأذن وهي جارحة السمع ، فأصل معنى أذن له : أمال أذنه ، أي : سمعه إليه ، يقال : أذن يأذن أذنا كفرح ، ثم استعمل في لازم السمع وهو الرضى بالمسموع ، فصار أذن بمعنى رضي بما يطلب منه ، أو ما شأنه أن يطلب منه ، وأباح فعله ، ومصدره إذن بكسر الهمزة وسكون الذال فكأن اختلاف صيغة المصدرين لقصد التفرقة بين المعنيين .
ومتعلق أذن محذوف دل عليه
لا يتكلمون أي : من أذن له في الكلام .
ومعنى أذن الرحمن : أن من يريد التكلم لا يستطيعه أو تعتريه رهبة فلا يقدم على الكلام حتى يستأذن الله فأذن له ، وإنما يستأذنه إذا ألهمه الله للاستئذان ، فإن الإلهام إذن عند أهل المكاشفات في العامل الأخروي ، فإذا ألقى الله في النفس أن يستأذن استأذن الله فأذن له ، كما ورد في حديث الشفاعة من
إحجام الأنبياء عن الاستشفاع للناس حتى يأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، قال في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002792فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي - عز وجل - ، ثم يفتح الله علي من محامد وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقول : ارفع رأسك واشفع تشفع .
وقد أشار إلى هذا قوله تعالى :
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى أي : لمن علموا
[ ص: 53 ] أن الله ارتضى قبول الشفاعة فيه وهم يعلمون ذلك بإلهام هو من قبيل الوحي ; لأن الإلهام في ذلك العالم لا يعتريه الخطأ .
وجملة
وقال صوابا يجوز أن تكون في موضع الحال من اسم الموصول ، أي : وقد قال المأذون له في الكلام صوابا ، أي : بإذن الله له في الكلام إذا علم أنه سيتكلم بما يرضي الله .
ويجوز أن تكون عطفا على جملة
أذن له الرحمن ، أي : وإلا من قال صوابا ، فعلم أن من لا يقول الصواب لا يؤذن له .
وفعل
وقال صوابا مستعمل في معنى المضارع ، أي : ويقول صوابا ، فعبر عنه بالماضي لإفادة تحقق ذلك ، أي : في علم الله .
وإطلاق صفة الرحمن على مقام الجلالة إيماء إلى أن إذن الله لمن يتكلم في الكلام أثر من آثار رحمته ; لأنه أذن فيما يحصل به نفع لأهل المحشر من شفاعة أو استغفار .