1. الرئيسية
  2. التحرير والتنوير
  3. سورة النبأ
  4. قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا
صفحة جزء
[ ص: 51 ] يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا .

( يوم ) متعلق بقوله : لا يملكون منه خطابا أي : لا يتكلم أحد يومئذ إلا من أذن له الله .

وجملة لا يتكلمون مؤكدة لجملة لا يملكون منه خطابا أعيدت بمعناها لتقرير المعنى ؛ إذ كان المقام حقيقا ، فالتقرير لقصد التوصل به إلى الدلالة على إبطال زعم المشركين شفاعة أصنامهم لهم عند الله ، وهي دلالة بطريق الفحوى فإنه إذا نفي تكلمهم بدون إذن نفيت شفاعتهم ؛ إذ الشفاعة كلام من له وجاهة وقبول عند سامعه .

وليبنى عليها الاستثناء لبعد ما بين المستثنى والمستثنى منه بمتعلقات ( يملكون ) من مجرور ومفعول به وظرف وجملة أضيف لها .

وضمير ( يتكلمون ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير ( يملكون ) .

والقول في تخصيص لا يتكلمون مثل القول في تخصيص لا يملكون منه خطابا وقوله : إلا من أذن له الرحمن استثناء من ضمير لا يتكلمون وإذ قد كان مؤكدا لضمير لا يملكون فالاستثناء منه يفهم الاستثناء من المؤكد به .

والقيام : الوقوف ، وهو حالة الاستعداد للعمل الجد وهو من أحوال العبودية الحق التي لا تستحق إلى لله تعالى ، وفي الحديث : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار أي : لأن ذلك من الكبرياء المختصة بالله تعالى .

والروح : اختلف في المراد منه اختلافا أثاره عطف الملائكة عليه ، فقيل : هو جبريل . وتخصيصه بالذكر قبل ذكر الملائكة المعطوف عليه لتشريف قدره بإبلاغ الشريعة ، وقيل : المراد أرواح بني آدم .

واللام لتعريف الجنس : فالمفرد معها والجمع سواء ، والمعنى : يوم تحضر الأرواح [ ص: 52 ] لتودع في أجسادها ، وعليه يكون فعل ( يقوم ) مستعملا في حقيقته ومجازه .

والملائكة عطف على الروح أي : ويقوم الملائكة صفا .

والصف : اسم للأشياء الكائنة في مكان يجانب بعضها بعضا كالخط . وقد تقدم في قوله تعالى : ثم ائتوا صفا في سورة طه وفي قوله : فاذكروا اسم الله عليها صواف في سورة الحج ، وهو تسمية بالمصدر من إطلاق المصدر على اسم الفاعل وأصله للمبالغة ثم صار اسما ، وإنما يصطف الناس في المقامات التي يكون فيها أمر عظيم فصف الملائكة تعظيم لله وخضوع له .

والإذن : اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل للمأذون ، وهو مشتق من : أذن له ، إذا استمع إليه قال تعالى : وأذنت لربها وحقت أي : استمعت وطاعت لإرادة الله . وأذن : فعل مشتق من اسم الأذن وهي جارحة السمع ، فأصل معنى أذن له : أمال أذنه ، أي : سمعه إليه ، يقال : أذن يأذن أذنا كفرح ، ثم استعمل في لازم السمع وهو الرضى بالمسموع ، فصار أذن بمعنى رضي بما يطلب منه ، أو ما شأنه أن يطلب منه ، وأباح فعله ، ومصدره إذن بكسر الهمزة وسكون الذال فكأن اختلاف صيغة المصدرين لقصد التفرقة بين المعنيين .

ومتعلق أذن محذوف دل عليه لا يتكلمون أي : من أذن له في الكلام .

ومعنى أذن الرحمن : أن من يريد التكلم لا يستطيعه أو تعتريه رهبة فلا يقدم على الكلام حتى يستأذن الله فأذن له ، وإنما يستأذنه إذا ألهمه الله للاستئذان ، فإن الإلهام إذن عند أهل المكاشفات في العامل الأخروي ، فإذا ألقى الله في النفس أن يستأذن استأذن الله فأذن له ، كما ورد في حديث الشفاعة من إحجام الأنبياء عن الاستشفاع للناس حتى يأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، قال في الحديث : فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي - عز وجل - ، ثم يفتح الله علي من محامد وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقول : ارفع رأسك واشفع تشفع .

وقد أشار إلى هذا قوله تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى أي : لمن علموا [ ص: 53 ] أن الله ارتضى قبول الشفاعة فيه وهم يعلمون ذلك بإلهام هو من قبيل الوحي ; لأن الإلهام في ذلك العالم لا يعتريه الخطأ .

وجملة وقال صوابا يجوز أن تكون في موضع الحال من اسم الموصول ، أي : وقد قال المأذون له في الكلام صوابا ، أي : بإذن الله له في الكلام إذا علم أنه سيتكلم بما يرضي الله .

ويجوز أن تكون عطفا على جملة أذن له الرحمن ، أي : وإلا من قال صوابا ، فعلم أن من لا يقول الصواب لا يؤذن له .

وفعل وقال صوابا مستعمل في معنى المضارع ، أي : ويقول صوابا ، فعبر عنه بالماضي لإفادة تحقق ذلك ، أي : في علم الله .

وإطلاق صفة الرحمن على مقام الجلالة إيماء إلى أن إذن الله لمن يتكلم في الكلام أثر من آثار رحمته ; لأنه أذن فيما يحصل به نفع لأهل المحشر من شفاعة أو استغفار .

التالي السابق


الخدمات العلمية