فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة .
الفاء فصيحة للتفريع على ما يفيده قولهم
أئنا لمردودون في الحافرة إذا كنا عظاما نخرة من إحالتهم الحياة بعد البلى والفناء .
فتقدير الكلام : فلا عجب في ذلك فما هي إلا زجرة واحدة فإذا أنتم حاضرون في الحشر .
وضمير ( هي ) ضمير القصة وهو ضمير الشأن ، واختير الضمير المؤنث ليحسن عوده إلى ( زجرة ) ، وهذا من أحسن استعمالات ضمير الشأن . والقصر حقيقي مراد منه تأكيد الخبر بتنزيل السامع منزلة من يعتقد أن زجرة واحدة غير كافية في إحيائهم .
وفاء
فإذا هم بالساهرة للتفريع على جملة إنما هي زجرة واحدة ، و ( إذا ) للمفاجأة ، أي : الحصول دون تأخير ، فحصل تأكيد معنى التفريع الذي أفادته الفاء وذلك يفيد عدم الترتب بين الزجرة والحصول في الساهرة .
والزجرة : المرة من الزجر ، وهو الكلام الذي فيه أمر أو نهي في حالة غضب . يقال : زجر البعير ، إذا صاح له لينهض أو يسير ، وعبر بها هنا عن أمر الله بتكوين أجساد الناس الأموات تصويرا لما فيه من معنى التسخير لتعجيل التكون . وفيه مناسبة لإحياء ما كان هامدا كما يبعث البعير البارك بزجرة ينهض بها سريعا خوفا من زاجره ، وقد عبر عن ذلك بالصيحة في قوله تعالى :
يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج وهو الذي عبر عنه بالنفخ في الصور .
ووصفت الزجرة بواحدة تأكيدا لما في صيغة المرة من معنى الوحدة لئلا يتوهم أن إفراده للنوعية ، وهذه الزجرة هي النفخة الثانية التي في قوله تعالى :
[ ص: 73 ] ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فهي ثانية للتي قبلها ، وهي الرادفة التي تقدم ذكرها آنفا ، وإنما أريد بكونها واحدة أنها لا تتبع بثانية لها ، وقد وصفت بواحدة في سورة الحاقة بهذا الاعتبار .
والساهرة : الأرض المستوية البيضاء التي لا نبات فيها ، يختار مثلها لاجتماع الجموع ووضع المغانم . وأريد بها أرض يجعلها الله لجمع الناس للحشر .
والإتيان ب ( إذا ) الفجائية للدلالة على سرعة حضورهم بهذا المكان عقب البعث .
وعطفها بالفاء لتحقيق ذلك المعنى الذي أفادته ( إذا ) لأن الجمع بين المفاجأة والتفريع أشد ما يعبر به عن السرعة مع إيجاز اللفظ .
والمعنى : أن الله يأمر بأمر التكوين بخلق أجساد تحل فيها الأرواح التي كانت في الدنيا فتحضر في موقف الحشر للحساب بسرعة .