وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين
يجوز أن تكون تذييلا أو اعتراضا في آخر الكلام .
ويجوز أن تكون حالا ، والمقصود التكميل والاحتراس في معنى لمن شاء منكم أن يستقيم ، أي : ولمن شاء له ذلك من العالمين ، وتقدم في آخر سورة الإنسان قوله تعالى :
إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما .
والفرق بينهما أن في هذه الآية وصف الله تعالى بـ رب العالمين وهو مفيد التعليل لارتباط مشيئة من شاء الاستقامة من العالمين لمشيئة الله ؛ ذلك لأنه رب العالمين فهو الخالق فيهم دواعي المشيئة وأسباب حصولها المتسلسلة وهو الذي أرشدهم للاستقامة على الحق ، وبهذا الوصف ظهر مزيد الاتصال بين مشيئة الناس الاستقامة بالقرآن وبين كون القرآن ذكرا للعالمين .
وأما آية سورة الإنسان فقد ذيلت بـ
إن الله كان عليما حكيما أي : فهو بعلمه وحكمته ينوط مشيئته لهم الاستقامة بمواضع صلاحيتهم لها فيفيد أن من لم يشأ أن يتخذ إلى ربه سبيلا قد حرمه الله تعالى من مشيئته الخير بعلمه وحكمته كناية عن شقائهم .
[ ص: 168 ] و ما نافية ، والاستثناء من مصادر محذوفة دل عليها قوله :
إلا أن يشاء الله وتقدم بيان ذلك في سورة الإنسان .
وفي هذه الآية وآية سورة الإنسان إفصاح عن شرف أهل الاستقامة بكونهم بمحل العناية من ربهم إذا شاء لهم الاستقامة وهيأهم لها ، وهذه العناية بمعنى عظيم تحير أهل العلم في الكشف عنه ، فمنهم من تطوح به إلى الجبر ومنهم من ارتمى في وهدة القدر ، ومنهم من اعتدل فجزم بقوة للعباد حادثة يكون بها اختيارهم لسلوك الخير أو الشر فسماها بعض هؤلاء قدرة حادثة وبعضهم سماها كسبا ، وحملوا ما خالف ذلك من ظواهر الآيات والأخبار على مقام تعليم الله عباده التأدب مع جلاله .
وهذا أقصى ما بلغت إليه الأفهام القويمة في مجامل متعارض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، ومن ورائه سلك دقيق يشده قد تقصر عنه الأفهام .