لا تسمع فيها لاغية
اللاغية : مصدر بمعنى اللغو مثل الكاذبة للكذب . والخائنة والعافية ، أي : لا يسمع فيها لغو ، أو هو وصف لموصوف مقدر التأنيث ، أي : كلمة لاغية لما دل عليه لاغية من أنها كلمات ، ووصف الكلمة بذلك مجاز عقلي ; لأن اللاغي صاحبها .
[ ص: 300 ] ونفي سماع لاغية مكنى به عن انتفاء اللغو في الجنة من باب :
ولا ترى الضب بها ينجحر
أي : لا ضب بها ، إذ الضب لا يخلو من الانجحار .
واللغو : الكلام الذي لا فائدة له ، وهذا تنبيه على أن الجنة دار جد وحقيقة فلا كلام فيها إلا لفائدة ; لأن النفوس فيها تخلصت من النقائص كلها فلا يلذ لها إلا الحقائق والسمو العقلي والخلقي ، ولا ينطقون إلا ما يزيد النفوس تزكية .
وجملة
لا تسمع فيها لاغية صفة ثانية لـ جنة ترك عطفها على الصفة التي قبلها ; لأن النعوت المتعددة يجوز أن تعطف ويجوز أن تفصل دون عطف قال في التسهيل : ويجوز عطف بعض النعوت على بعض وقال
المرادي في شرحه نحو قوله تعالى :
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى . وقال : ولا يعطف إلا بالواو ما لم يكن ترتيب : فبالفاء كقوله :
يا لهف زيابة للحارب ال صابح فالغانـم فـالآيب
قال
السهيلي : والعطف بـ ثم جوازه بعيد . اهـ . قال
الدماميني : وكذا في الجمل مررت برجل يحفظ القرآن ويعرف الفقه ويتقي إلى الله ، قال : ونص
الواحدي في قوله تعالى :
لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم . أن لا يألونكم وما بعده من الجمل أي : الثلاث لا يكون صفات ، لعدم العاطف ، لكن ظاهر سكوت الجمهور عن وجوب العطف يشعر بجوازه فيها أي : الجمل كالمفردات اهـ .
ابتدئ في تعداد صفات الجنة بصفتها الذاتية وهو كونها عالية ، وثني بصفة تنزيهها عما يعد من نقائص مجامع الناس ومساكن الجماعات وهو الغوغاء واللغو ، وقد جردت هذه الجملة من أن تعطف على عالية مراعاة لعدم التناسب بين المفردات والجمل وذلك حقيق بعدم العطف ; لأنه أشد من كمال الانقطاع في عطف الجمل .
وهذا وصف للجنة بحسن سكانها .
[ ص: 301 ] وقرأ
نافع لا تسمع بمثناة فوقية مضمومة ولاغية نائب فاعل ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بمثناة تحتية مضمومة وبرفع لاغية أيضا فأجري الفعل على التذكير ; لأن لاغية ليس حقيقي التأنيث وحسنه وقوع الفصل بين الفعل وبين المسند إليه ، وقرأه
ابن عامر وعاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبو جعفر وروح عن
يعقوب بفتح المثناة الفوقية وبنصب ( لاغية ) ، والتاء لخطاب غير المعين .