ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين قوله
ولا تهنوا ولا تحزنوا نهي للمسلمين عن أسباب الفشل . والوهن : الضعف ، وأصله ضعف الذات : كالجسم في قوله تعالى
رب إني وهن العظم مني والحبل في قول
زهير :
فأصبح الحبل منها واهنا خلقا
وهو هنا مجاز في خور العزيمة وضعف الإرادة وانقلاب الرجاء يأسا ، والشجاعة جبنا ، واليقين شكا ، ولذلك نهوا عنه . وأما الحزن فهو شدة الأسف البالغة حد الكآبة والانكسار . والوهن والحزن حالتان للنفس تنشآن عن اعتقاد الخيبة والرزء فيترتب عليهما الاستسلام وترك المقاومة . فالنهي عن الوهن والحزن في الحقيقة نهي عن سببهما وهو الاعتقاد ، كما ينهى أحد عن النسيان ، وكما ينهى أحد عن فعل غيره في نحو لا أرين فلانا في موضع كذا أي لا تتركه يحل فيه ، ولذلك قدم على هذا النهي قوله
قد خلت من قبلكم سنن إلخ . وعقب بقوله
وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين .
وقوله
وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين الواو للعطف ، وهذه بشارة لهم بالنصر المستقبل ، فالعلو هنا مجازي وهو علو المنزلة .
[ ص: 99 ] والتعليق بالشرط في قوله
إن كنتم مؤمنين قصد به تهييج غيرتهم على الإيمان إذ قد علم الله أنهم مؤمنين ولكنهم لما لاح عليهم الوهن والحزن من الغلبة ، كانوا بمنزلة من ضعف يقينه فقيل لهم : إن علمتم من أنفسكم الإيمان ، وجيء بإن الشرطية التي من شأنها عدم تحقيق شرطها ، إتماما لهذا المقصد .