لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين
استئناف بياني ; لأن ما سبقه من الزجر والردع المكرر ومن الوعيد المؤكد على إجماله يثير في نفس السامع سؤالا عما يترقب من هذا الزجر والوعيد ، فكان قوله :
لترون الجحيم جوابا عما يجيش في نفس السامع .
وليس قوله :
لترون الجحيم جواب ( لو ) على معنى : لو تعلمون علم اليقين لكنتم كمن ترون الجحيم ، أي : لترونها بقلوبكم ; لأن نظم الكلام صيغة قسم بدليل قرنه بنون التوكيد ، فليست هذه اللام لام جواب ( لو ) ; لأن جواب ( لو ) ممتنع الوقوع فلا تقترن به نون التوكيد .
والإخبار عن رؤيتهم الجحيم كناية عن الوقوع فيها ، فإن الوقوع في الشيء يستلزم رؤيته فيكنى بالرؤية عن الحضور ، كقول
جعفر بن علبة الحارثي :
[ ص: 523 ] لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
وأكد ذلك بقوله :
ثم لترونها عين اليقين قصدا لتحقيق الوعيد بمعناه الكنائي . وقد عطف هذا التأكيد بـ ( ثم ) التي هي للتراخي الرتبي على نحو ما قررناه آنفا في قوله :
ثم كلا سوف تعلمون ، وليس هنالك رؤيتان تقع إحداهما بعد الأخرى بمهلة .
وعين اليقين : اليقين الذي لا يشوبه تردد . فلفظ عين مجاز عن حقيقة الشيء الخالصة غير الناقصة ولا المشابهة .
وإضافة ( عين ) إلى اليقين بيانية كإضافة ( حق ) إلى اليقين في قوله تعالى :
إن هذا لهو حق اليقين .
وقرأه الجمهور
لترون الجحيم بفتح المثناة الفوقية . وقرأه
ابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بضم المثناة من ( أراه ) .
وأما ( لترونها ) فلم يختلف القراء في قراءته بفتح المثناة .
وأشار في الكشاف إلى أن هذه الآيات المفتتحة بقوله :
كلا سوف تعلمون والمنتهية بقوله :
عين اليقين ، اشتملت على وجوه من تقوية الإنذار والزجر ، فافتتحت بحرف الردع والتنبيه ، وجيء بعده بحرف ( ثم ) الدال على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول . وكرر حرف الردع والتنبيه وحذف جواب
لو تعلمون لما في حذفه من مبالغة التهويل ، وأتي بلام القسم لتوكيد الوعيد . وأكد هذا القسم بقسم آخر ، فهذه ستة وجوه .
وأقول زيادة على ذلك : إن في قوله :
عين اليقين تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة . والقول في إضافة
عين اليقين كالقول في إضافة
علم اليقين المذكور آنفا .