وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا .
جملة معترضة ، الواو اعتراضية .
فإن كان من تتمة الإنكار على هلعهم عند ظن موت الرسول ، فالمقصود عموم الأنفس لا خصوص نفس الرسول - عليه السلام - ، وتكون الآية لوما للمسلمين على ذهولهم عن حفظ الله رسوله من أن يسلط عليه أعداؤه ، ومن أن
[ ص: 114 ] يخترم عمره قبل تبليغ الرسالة . وفي قوله
والله يعصمك من الناس عقب قوله
بلغ ما أنزل إليك من ربك الدال على أن
عصمته من الناس لأجل تبليغ الشريعة . فقد ضمن الله له الحياة حتى يبلغ شرعه ، ويتم مراده ، فكيف يظنون قتله بيد أعدائه ، على أنه قبل الإعلان بإتمام شرعه ، ألا ترى أنه لما أنزل قوله تعالى
اليوم أكملت لكم دينكم الآية . بكى
أبو بكر وعلم أن أجل النبيء - صلى الله عليه وسلم - قد قرب ، وقال : ما كمل شيء إلا نقص . فالجملة على هذا في موضع الحال . والواو واو الحال .
وإن كان هذا إنكارا مستأنفا على الذين فزعوا عند الهزيمة وخافوا الموت ، فالعموم في النفس مقصودا ما كان ينبغي لكم الخوف وقد علمتم أن لكل نفس أجلا .
وجيء في هذا الحكم بصيغة الجحود للمبالغة في انتفاء أن يكون موت قبل الأجل ، فالجملة ، على هذا ، معترضة ، والواو اعتراضية ، ومثل هذه الحقائق تلقى في المقامات التي يقصد فيها مداواة النفوس من عاهات ذميمة ، وإلا فإن
انتهاء الأجل منوط بعلم الله لا يعلم أحد وقته ،
وما تدري نفس بأي أرض تموت ، والمؤمن مأمور بحفظ حياته ، إلا في سبيل الله ، فيتعين عليه في وقت الجهاد أن يرجع إلى الحقيقة وهي أن الموت بالأجل ، والمراد بإذن الله تقديره وقت الموت ، ووضعه العلامات الدالة على بلوغ ذلك الوقت المقدر ، وهو ما عبر عنه مرة ب ( كن ) ، ومرة بقدر مقدور ، ومرة بالقلم ، ومرة بالكتاب .
والكتاب في قوله
كتابا مؤجلا يجوز أن يكون اسما بمعنى الشيء المكتوب ، فيكون حالا من الإذن ، أو من الموت ، كقوله
لكل أجل كتاب ومؤجلا حالا ثانية ، ويجوز أن يكون ( كتابا ) مصدر كاتب المستعمل في كتب للمبالغة ، وقوله ( مؤجلا ) صفة له ، وهو بدل من فعله المحذوف ، والتقدير : كتب كتابا مؤجلا أي مؤقتا . وجعله الكشاف مصدرا مؤكدا أي لمضمون جملة وما كان لنفس الآية ، وهو يريد أنه مع صفته وهي
[ ص: 115 ] مؤجلا يؤكد معنى إلا بإذن الله لأن قوله بإذن الله يفيد أن له وقتا قد يكون قريبا وقد يكون بعيدا فهو كقوله تعالى
كتاب الله عليكم بعد قوله
حرمت عليكم أمهاتكم الآية .