ولا أنا عابد ما عبدتم
عطف على ولا أنتم عابدون ما أعبد عطف الجملة على الجملة لمناسبة نفي أن يعبدوا الله ، فأردف بنفي أن يعبد هو آلهتهم ، وعطفه بالواو صارف عن أن يكون المقصود به تأكيد
لا أعبد ما تعبدون فجاء به على طريقة ولا أنتم عابدون ما أعبد بالجملة الاسمية . للدلالة على الثبات ، ويكون الخبر اسم فاعل دالا على زمان الحال ، فلما نفى عن نفسه أن يعبد في المستقبل ما يعبدونه بقوله :
لا أعبد ما تعبدون كما تقدم آنفا ، صرح هنا بما تقتضيه دلالة الفحوى على نفي أن يعبد آلهتهم في الحال ، بما هو صريح الدلالة على ذلك ; لأن المقام يقتضي مزيد البيان ، فاقتضى الاعتماد على دلالة المنطوق إطنابا في الكلام ، لتأييسهم مما راودوه عليه ولمقابلة كلامهم المردود بمثله في إفادة الثبات . وحصل من ذلك تقرير
[ ص: 583 ] المعنى السابق وتأكيده ، تبعا لمدلول الجملة لا لموقعها ; لأن موقعها أنها عطف على جملة ولا أنتم عابدون ما أعبد وليس توكيدا لجملة
لا أعبد ما تعبدون بمرادفها ; لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يعين أنها معطوفة ، إذ ليس في جملة
لا أعبد ما تعبدون واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكدا لها .
ولا يجوز الفصل بين الجملتين بالواو ; لأن الواو لا يفصل بها بين الجملتين في التوكيد اللفظي . والأجود الفصل بـ ( ثم ) كما في التسهيل مقتصرا على ( ثم ) . وزاد الرضي الفاء ولم يأت له بشاهد ولكنه قال وقد تكون ( ثم ) والفاء لمجرد التدرج في الارتقاء ، وإن لم يكن المعطوف مترتبا في الذكر على المعطوف عليه وذلك إذا تكرر الأول بلفظه نحو : بالله ، فالله ، ونحو والله ، ثم والله .
وجيء بالفعل الماضي في قوله :
ما عبدتم للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت ، وفيه رمز إلى تنزهه - صلى الله عليه وسلم - من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كنا نعبد .