ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم .
نهي للرسول عن أن يحزن من فعل قوم يحرصون على الكفر ، أي على أعماله ، ومعنى
يسارعون في الكفر يتوغلون فيه ويعجلون إلى إظهاره وتأييده والعمل به عند سنوح الفرص ، ويحرصون على إلقائه في نفوس الناس ، فعبر عن هذا المعنى بقوله يسارعون ، فقيل : ذلك من التضمين ، ضمن يسارعون معنى يقعون ، فعدي بفي ، وهي طريقة الكشاف وشروحه ، وعندي أن هذا استعارة
[ ص: 173 ] تمثيلية : شبه حال حرصهم وجدهم في تكفير الناس وإدخال الشك على المؤمنين وتربصهم الدوائر وانتهازهم الفرص بحال الطالب المسارع إلى تحصيل شيء يخشى أن يفوته وهو متوغل فيه متلبس به ، فلذلك عدي بفي الدالة على سرعتهم سرعة طالب التمكين ، لا طالب الحصول ، إذ هو حاصل عندهم ، ولو عدي بإلى لفهم منه أنهم لم يكفروا عند المسارعة . قيل : هؤلاء هم المنافقون ، وقيل : قوم أسلموا ثم خافوا من المشركين فارتدوا .
وجملة
إنهم لن يضروا الله شيئا تعليل للنهي عن أن يحزنه تسارعهم إلى الكفر بعلة يوقن بها الرسول - عليه الصلاة والسلام - . وموقع إن في مثل هذا المقام إفادة التعليل ، وإن تغني غناء فاء التسبب ، كما تقدم غير مرة .
ونفي
لن يضروا الله مراد به نفي أن يعطلوا ما أراده إذ قد كان الله وعد الرسول إظهار دينه على الدين كله ، وكان سعي المنافقين في تعطيل ذلك ،
نهى الله رسوله أن يحزن لما يبدو له من اشتداد المنافقين في معاكسة الدعوة ، وبين له أنهم لن يستطيعوا إبطال مراد الله ، تذكيرا له بأنه وعده بأنه متم نوره .
ووجه الحاجة إلى هذا النهي : هو أن نفس الرسول ، وإن بلغت مرتقى الكمال ، لا تعدو ، تعتريها في بعض أوقات الشدة أحوال النفوس البشرية : من تأثير مظاهر الأسباب ، وتوقع حصول المسببات العادية عندها ، كما وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم
بدر . وهو في العريش ، وإذا انتفى إضرارهم الله انتفى إضرارهم المؤمنين فيما وعدهم الله . وقرأ الجمهور : يحزنك بفتح الياء وضم الزاي من حزنه إذا أدخل عليه الحزن ، وقرأه
نافع بضم الياء وكسر الزاي من أحزنه .
وجملة
يريد الله استئناف لبيان جزائهم على كفرهم في الآخرة ، بعد أن بين السلامة من كيدهم في الدنيا ، والمعنى : أن الله خذلهم وسلبهم التوفيق فكانوا مسارعين في الكفر لأنه
أراد أن لا يكون لهم حظ في الآخرة . والحظ : النصيب من شيء نافع .