[ ص: 5 ] والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم
عطف على
وأن تجمعوا والتقدير : وحرمت عليكم المحصنات من النساء إلخ . فهذا الصنف من المحرمات لعارض نظير الجمع بين الأختين .
والمحصنات بفتح الصاد من أحصنها الرجل : إذا حفظها واستقل بها عن غيره ، ويقال : امرأة محصنة بكسر الصاد أحصنت نفسها عن غير زوجها ، ولم يقرأ قوله ( والمحصنات ) في هذه الآية إلا بالفتح .
ويقال : أحصن الرجل فهو محصن بكسر الصاد لا غير ، ولا يقال محصن . ولذلك لم يقرأ أحد : محصنين غير مسافحين . بفتح الصاد ، وقرئ قوله ( محصنات ) بالفتح والكسر . وقوله :
فإذا أحصن بضم الهمزة وكسر الصاد ، وبفتح الهمزة وفتح الصاد . والمراد هنا المعنى الأول ، أي وحرمت عليكم ذوات الأزواج ما دمن في عصمة أزواجهن ، فالمقصود تحريم
اشتراك رجلين فأكثر في عصمة امرأة ، وذلك إبطال لنوع من النكاح كان في الجاهلية يسمى الضماد ، ولنوع آخر ورد ذكره في حديث
عائشة : أن يشترك الرجال في المرأة وهم دون العشرة ، فإذا حملت ووضعت حملها أرسلت إليهم فلا يستطيع أحد منهم أن يمتنع ، فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به . ونوع آخر يسمى
نكاح الاستبضاع ; وهو أن يقول الزوج لامرأته إذا طهرت من حيضها : أرسلي إلى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها . قالت
عائشة : وإنما يفعل هذا رغبة في
[ ص: 6 ] نجابة الولد ، وأحسب أن هذا كان يقع بتراض بين الرجلين ، والمقصد لا ينحصر في نجابة الولد ، فقد يكون لبذل مال أو صحبة . فدلت الآية على تحريم كل عقد على نكاح ذات الزوج ، أي تحريم أن يكون للمرأة أكثر من زوج واحد . وأفادت الآية تعميم حرمتهن ولو كان أزواجهن مشركين ، ولذلك لزم الاستثناء بقوله :
إلا ما ملكت أيمانكم أي إلا اللائي سبيتموهن في الحرب ، لأن اليمين في كلام العرب كناية عن اليد حين تمسك السيف .
وقد
جعل الله السبي هادما للنكاح تقريرا لمعتاد الأمم في الحروب ، وتخويفا أن لا يناصبوا الإسلام لأنهم لو رفع عنهم السبي لتكالبوا على قتال المسلمين ، إذ لا شيء يحذره العربي من الحرب أشد من سبي نسوته ، ثم من أسره ، كما قال
النابغة :
حذارا على أن لا تنال مقادتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا
واتفق المسلمون على أن سبي المرأة دون زوجها يهدم النكاح ، ويحلها لمن وقعت في قسمته عند قسمة المغانم . واختلفوا في التي تسبى مع زوجها : فالجمهور على أن سبيها يهدم نكاحها ، وهذا إغضاء من الحكمة التي شرع لأجلها إبقاء حكم الاسترقاق بالأسر . وأومأت إليها الصلة بقوله :
ملكت أيمانكم وإلا لقال : إلا ما تركت أزواجهن .
ومن العلماء من قال : إن
دخول الأمة ذات الزوج في ملك جديد غير ملك الذي زوجها من ذلك الزوج يسوغ لمالكها الجديد إبطال عقد الزوجية بينها وبين زوجها ، كالتي تباع أو توهب أو تورث ، فانتقال الملك عندهم طلاق . وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وسعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ، وهو شذوذ ، فإن مالكها الثاني إنما اشتراها عالما بأنها ذات زوج ، وكأن الحامل لهم على ذلك تصحيح معنى الاستثناء ، وإبقاء صيغة المضي على ظاهرها في قوله ( ملكت ) أي ما كن مملوكات لهم من قبل . والجواب عن ذلك أن المراد بقوله ( ملكت ) ما تجدد ملكها بعد أن كانت حرة ذات زوج . فالفعل مستعمل في معنى التجدد .
وقد نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه تحير في تفسير هذه الآية ، وقال : لو أعلم أحدا يعلم تفسيرها لضربت إليه أكباد الإبل ، ولعله يعني من يعلم تفسيرها عن النبيء - صلى الله
[ ص: 7 ] عليه وسلم - . وقد كان بعض المسلمين في الزمن الأول يتوهم أن أمة الرجل إذا زوجها من زوج لا يحرم على السيد قربانها ، مع كونها ذات زوج . وقد رأيت منقولا عن
مالك : أن رجلا من ثقيف كان فعل ذلك في زمان
عمر ، وأن
عمر سأله عن أمته التي زوجها وهل يطؤها ، فأنكر ، فقال له : لو اعترفت لجعلتك نكالا .
وقوله :
كتاب الله عليكم تذييل ، وهو تحريض على وجوب
الوقوف عند كتاب الله ، فـ ( عليكم ) نائب مناب ( الزموا ) وهو مصير بمعنى اسم الفعل ، وذلك كثير في الظروف والمجرورات المنزلة منزلة أسماء الأفعال بالقرينة ، كقولهم : إليك ، ودونك ، وعليك . و ( كتاب الله ) مفعوله مقدم عليه عند
الكوفيين ، أو يجعل منصوبا بـ ( عليكم ) محذوفا دل عليه المذكور بعده ، على أنه تأكيد له ، تخريجا على تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في قول الراجز :
يأيها المائح دلـوي دونـك إني رأيت الناس يحمدونك
ويجوز أن يكون " كتاب " مصدرا نائبا مناب فعله ، أي كتب الله ذلك كتابا ، و ( عليكم ) متعلقا به .