والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما .
كرر قوله
والله يريد أن يتوب عليكم ليرتب عليه قوله
ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما فليس بتأكيد لفظي ، وهذا كما يعاد اللفظ في الجزاء والصفة ونحوها ، كقول
الأحوص في الحماسة :
[ ص: 21 ] فإذا تزول تزول عن متخمط تخشى بوادره على الأقران
وقوله تعالى :
ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا والمقصد من التعرض لإرادة الذين يتبعون الشهوات تنبيه المسلمين إلى دخائل أعدائهم ، ليعلموا الفرق بين مراد الله من الخلق ، ومراد أعوان الشياطين ، وهم الذين يتبعون الشهوات . ولذلك قدم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله :
والله يريد أن يتوب عليكم ليدل على التخصيص الإضافي ، أي الله وحده هو الذي يريد أن يتوب عليكم ، أي يحرضكم على
التوبة والإقلاع عن المعاصي ، وأما الذين يتبعون الشهوات فيريدون انصرافكم عن الحق وميلكم عنه إلى المعاصي . وإطلاق الإرادة على رغبة أصحاب الشهوات في ميل المسلمين عن الحق لمشاكلة
يريد الله ليبين لكم . والمقصود : ويحب الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا . ولما كانت رغبتهم في ميل المسلمين عن الحق رغبة لا تخلو عن سعيهم لحصول ذلك ، أشبهت رغبتهم إرادة المريد للفعل . ونظيره قوله تعالى بعد هذه الآية
يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل .
وحذف متعلق ( تميلوا ) لظهوره من قرينة المقام ، وأراد بالذين يتبعون الشهوات الذين تغلبهم شهواتهم على مخالفة ما شرعه الله لهم من الذين لا دين لهم . وهم الذين لا ينظرون في عواقب الذنوب ومفاسدها وعقوبتها ، ولكنهم يرضون شهواتهم الداعية إليها . وفي ذكر هذه الصلة هنا تشنيع لحالهم ، ففي الموصول إيماء إلى تعليل الخبر ، والمراد بهم المشركون : أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح أزواج الآباء ،
واليهود أرادوا أن يتبعوهم في نكاح الأخوات من الأب ونكاح العمات والجمع بين الأختين ، والميل العظيم هو البعد عن أحكام الشرع والطعن فيها ، فكان المشركون يحببون للمسلمين الزنى ويعرضون عليهم البغايا ، وكان
المجوس يطعنون في تحريم ابنة الأخ وابنة الأخت ويقولون : لماذا أحل دينكم ابنة العمة وابنة الخالة ، وكان
اليهود يقولون : لا تحرم الأخت التي للأب ولا تحرم العمة ولا الخالة ولا العم ولا الخال ، وعبر عن جميع ذلك بالشهوات لأن مجيء الإسلام قد بين انتهاء إباحة ما أبيح في الشرائع الأخرى ، بله ما كان حراما في الشرائع كلها وتساهل فيه أهل الشرك .