ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا .
تعجيب من حال
اليهود إذ يقولون
نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ونحو ذلك من إدلالهم الكاذب .
وقوله :
بل الله يزكي من يشاء إبطال لمعتقدهم بإثبات ضده ، وهو أن التزكية شهادة من الله ، ولا ينفع أحدا أن يزكي نفسه . وفي تصدير الجملة بـ ( بل ) تصريح بإبطال تزكيتهم . وأن الذين زكوا أنفسهم لا حظ لهم في تزكية الله ، وأنهم ليسوا ممن يشاء الله تزكيته ، ولو لم يذكر ( بل ) فقيل : والله يزكي من يشاء . لكان لهم مطمع أن يكونوا ممن زكاه الله تعالى .
ومعنى
ولا يظلمون فتيلا أي أن الله لم يحرمهم ما هم به أحرياء ، وأن تزكية الله غيرهم لا تعد ظلما لهم لأن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل ولا يظلم أحدا .
والفتيل : شبه خيط في شق نواة التمرة ، وقد شاع استعارته للقلة إذ هو لا ينتفع به ولا له مرأى واضح .
[ ص: 85 ] وانتصب " فتيلا " على النيابة عن المفعول المطلق ، لأنه على معنى التشبيه ، إذ التقدير : " ظلما " كالفتيل ، أي بقدره ، فحذفت أداة التشبيه ، وهو كقوله :
إن الله لا يظلم مثقال ذرة .
وقوله :
انظر كيف يفترون على الله الكذب جعل افتراءهم الكذب ، لشدة تحقق وقوعه ، كأنه أمر مرئي ينظره الناس بأعينهم ، وإنما هو مما يسمع ويعقل ، وكلمة
وكفى به إثما مبينا نهاية في بلوغه غاية الإثم كما يؤذن به تركيب : كفى به كذا ، وقد تقدم القول في ( كفى ) عند قوله آنفا
وكفى بالله شهيدا .