وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما .
يجوز أن يكون معطوفا على قوله
وما قتلوه وما صلبوه ويجوز أن يعطف على قوله
ما لهم به من علم .
واليقين : العلم الجازم الذي لا يحتمل الشك ، فهو اسم مصدر ، والمصدر اليقن بالتحريك ، يقال : يقن كفرح ييقن يقنا ، وهو مصدر قليل الاستعمال ، ويقال : أيقن يوقن إيقانا ، وهو الشائع .
[ ص: 23 ] وقوله (
يقينا ) يجوز أن يكون نصب على النيابة عن المفعول المطلق المؤكد لمضمون جملة قبله : لأن مضمون (
وما قتلوه يقينا ) بعد قوله (
وقولهم إنا قتلنا المسيح ) إلى قوله
وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم يدل على أن انتفاء قتلهم إياه أمر متيقن ، فصح أن يكون يقينا مؤكدا لهذا المضمون . ويصح أن يكون في موضع الحال من الواو في قتلوه ، أي ما قتلوه متيقنين قتله ، ويكون النفي منصبا على القيد والمقيد معا ، بقرينة قوله قبله (
وما قتلوه وما صلبوه ) ، أي : هم في زعمهم قتله ليسوا بموقنين بذلك للاضطراب الذي حصل في شخصه حين إمساك من أمسكوه ، وعلى هذا الوجه فالقتل مستعمل في حقيقته . وضمير النصب في قتلوه عائد إلى
عيسى ابن مريم عليه السلام .
ويجوز أن يكون القتل مستعملا مجازا في التمكن من الشيء والتغلب عليه كقولهم : قتل الخمر إذا مزجها حتى أزال قوتها ، وقولهم : قتل أرضا عالمها ، ومن شعر الحماسة في باب الهجاء :
يروعك من سعد بن عمرو جسومها وتزهد فيها حين تقتلهـا خـبـرا
وقول الشاعر :
كذاك تخبر عنها العالمات بها وقد قتلت بعلمي ذلكم يقنا
وقول الآخر :
قتلتني الأيام حين قتلتهـا خبرا فأبصر قاتلا مقتولا
وضمير النصب في قتلوه عائد إلى العلم من قوله تعالى
ما لهم به من علم ، فيكون (
يقينا ) على هذا تمييزا لنسبة قتلوه .
ولذلك كله أعقب بالإبطال بقوله
بل رفعه الله إليه ، أي فلم يظفروا به . والرفع : إبعاده عن هذا العالم إلى عالم السماوات ، و ( إلى ) إفادة الانتهاء المجازي بمعنى التشريف ، أي رفعه الله رفع قرب وزلفى .
[ ص: 24 ] وقد تقدم الكلام على معنى هذا الرفع ، وعلى
الاختلاف في أن عيسى عليه السلام بقي حيا أو أماته الله ، عند قوله تعالى
إني متوفيك ورافعك إلي في سورة آل عمران .
والتذييل بقوله
وكان الله عزيزا حكيما ظاهر الموقع لأنه لما عز فقد حق لعزه أن يعز أولياءه ، ولما كان حكيما فقد أتقن صنع هذا الرفع فجعله فتنة للكافرين ، وتبصرة للمؤمنين ، وعقوبة
ليهوذا الخائن .