يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما .
فذلكة للكلام السابق بما هو جامع للأخذ بالهدى ونبذ الضلال ، بما اشتمل عليه القرآن من دلائل الحق وكبح الباطل . فالجملة استئناف وإقبال على خطاب الناس كلهم بعد أن كان الخطاب موجها إلى أهل الكتاب خاصة . والبرهان : الحجة ، وقد يخصص بالحجة الواضحة الفاصلة ، وهو غالب ما يقصد به في القرآن ، ولهذا سمى حكماء الإسلام أجل أنواع الدليل برهانا .
والمراد هنا دلائل النبوءة . وأما
النور المبين فهو القرآن لقوله وأنزلنا ، والقول في ( جاءكم ) كالقول في نظيره المتقدم في قوله
قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ، وكذلك القول في (
أنزلنا إليكم ) .
و ( أما ) في قوله (
فأما الذين آمنوا بالله ) يجوز أن يكون للتفصيل : تفصيلا لما دل عليه ( يا أيها الناس ) من اختلاف الفرق والنزعات : بين قابل
[ ص: 63 ] للبرهان والنور ، ومكابر جاحد ، ويكون معادل هذا الشق محذوفا للتهويل ، أي : وأما الذين كفروا فلا تسل عنهم ، ويجوز أن يكون ( أما ) لمجرد الشرط دون تفصيل ، وهو شرط لعموم الأحوال ، لأن ( أما ) في الشرط بمعنى مهما يكن من شيء وفي هذه الحالة لا تفيد التفصيل ولا تطلب معادلا .
والاعتصام : اللوذ ، والاعتصام بالله استعارة للوذ بدينه ، وتقدم في قوله
واعتصموا بحبل الله جميعا في سورة آل عمران .
والإدخال في الرحمة والفضل عبارة عن الرضى .
وقوله ويهديهم إليه صراطا مستقيما ، تعلق الجار والمجرور بـ يهدي ) فهو ظرف لغو ، و ( صراطا ) مفعول ( يهدي ) ، والمعنى يهديهم صراطا مستقيما ليصلوا إليه ، أي إلى الله ، وذلك هو متمناهم ، إذ قد علموا أن وعدهم عنده .