[ ص: 86 ] ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا .
عطف على قوله
لا تحلوا شعائر الله لزيادة تقرير مضمونه ، أي لا تحلوا شعائر الله ولو مع عدوكم إذا لم يبدءوكم بحرب .
ومعنى ( يجرمنكم ) يكسبنكم ، يقال : جرمه يجرمه ، مثل ضرب . وأصله كسب ، من جرم النخلة إذا جذ عراجينها ، فلما كان الجرم لأجل الكسب شاع إطلاق جرم بمعنى كسب ، قالوا : جرم فلان لنفسه كذا ، أي كسب .
وعدي إلى مفعول ثان وهو ( أن تعتدوا ) ، والتقدير : يكسبكم الشنآن الاعتداء . وأما تعديته بعلى في قوله
ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا فلتضمينه معنى يحملنكم .
والشنآن بفتح الشين المعجمة وفتح النون في الأكثر ، وقد تسكن النون إما أصالة وإما تخفيفا هو البغض ، وقيل : شدة البغض ، وهو المناسب ، لعطفه على البغضاء في قول
الأحوص :
أنمي على البغضاء والشنآن
وهو من المصادر الدالة على الاضطراب والتقلب ، لأن الشنآن فيه اضطراب النفس ، فهو مثل الغليان والنزوان .
وقرأ الجمهور : ( شنآن ) بفتح النون . وقرأ
ابن عامر ، وأبو بكر عن
عاصم ، وأبو جعفر بسكون النون . وقد قيل : إن ساكن النون وصف مثل غضبان ، أي عدو ، فالمعنى : لا يجرمنكم عدو قوم ، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف . وإضافة شنآن إذا كان مصدرا من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي بغضكم قوما ، بقرينة قوله ( أن صدوكم ) ، لأن المبغض في الغالب هو المعتدى عليه .
[ ص: 87 ] وقرأ الجمهور : ( أن صدوكم ) بفتح همزة ( أن ) . وقرأه
ابن كثير ،
وأبو عمرو ،
ويعقوب : بكسر الهمزة على أنها ( إن ) الشرطية ، فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبل الشرط .
والمسجد الحرام اسم جعل علما بالغلبة على المكان المحيط بالكعبة المحصور ذي الأبواب ، وهو اسم إسلامي لم يكن يدعى بذلك في الجاهلية ، لأن المسجد مكان السجود ولم يكن لأهل الجاهلية سجود عند
الكعبة ، . وقد تقدم عند قوله تعالى
فول وجهك شطر المسجد الحرام في سورة البقرة ، وسيأتي عند قوله تعالى
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام .