أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .
فرعت الفاء على مضمون قوله :
فإن تولوا فاعلم إلخ استفهاما عن مرادهم من ذلك التولي ، والاستفهام إنكاري ، لأنهم طلبوا حكم الجاهلية . وحكم الجاهلية هو ما تقرر بين
اليهود من تكايل الدماء الذي سرى إليهم من أحكام
أهل يثرب ، وهم أهل جاهلية ، فإن
بني النضير لم يرضوا بالتساوي مع
قريظة كما تقدم ; وما وضعوه من الأحكام بين أهل الجاهلية ، وهو العدول عن الرجم الذي هو حكم التوراة .
وقرأ الجمهور " يبغون " بياء الغائب ، والضمير عائد لـ ( من ) في قوله :
ومن لم يحكم بما أنزل الله . وقرأ
ابن عامر بتاء الخطاب على أنه خطاب
لليهود على طريقة الالتفات .
والواو في قوله :
ومن أحسن من الله حكما واو الحال ، وهو اعتراض ، والاستفهام إنكاري في معنى النفي ، أي لا أحسن منه حكما . وهو خطاب للمسلمين ، إذ لا فائدة في خطاب
اليهود بهذا .
وقوله : لقوم يوقنون اللام فيه ليست متعلقة بـ " حكما " إذ ليس المراد بمدخولها المحكوم لهم ، ولا هي لام التقوية لأن لقوم يوقنون ليس مفعولا لـ " حكما " في المعنى . فهذه اللام تسمى لام البيان ولام التبيين ، وهي التي تدخل على المقصود من الكلام سواء كان خبرا أم إنشاء ، وهي الواقعة في نحو قولهم : سقيا لك ،
[ ص: 228 ] وجدعا له ، وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341637تبا وسحقا لمن بدل بعدي ، وقوله تعالى
هيهات هيهات لما توعدون وحاش لله . وذلك أن المقصود التنبيه على المراد من الكلام . ومنه قوله تعالى عن
زليخا وقالت هيت لك لأن تهيؤها له غريب لا يخطر ببال
يوسف فلا يدري ما أرادت فقالت له
هيت لك ، إذا كان ( هيت ) اسم فعل مضي بمعنى تهيأت ، ومثل قوله تعالى هنا
ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون . وقد يكون المقصود معلوما فيخشى خفاؤه فيؤتى باللام لزيادة البيان نحو حاش لله ، وهي حينئذ جديرة باسم لام التبيين ، كالداخلة إلى المواجه بالخطاب في قولهم : سقيا لك ورعيا ، ونحوهما ، وفي قوله : ( هيت ) اسم فعل أمر بمعنى تعال . وإنما لم تجعل في بعض هذه المواضع لام تقوية ، لأن لام التقوية يصح الاستغناء عنها مع ذكر مدخولها ، وفي هذه المواضع لا يذكر مدخول اللام إلا معها .