كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين .
تركيب
أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله تمثيل ، شبه به حال التهيؤ للحرب والاستعداد لها والحزامة في أمرها ، بحال من يوقد النار لحاجة بها فتنطفئ ، فإنه شاعت استعارات معاني التسعير والحمي والنار ونحوها للحرب ، ومنه حمي الوطيس ، وفلان مسعر حرب ، ومحش حرب ، فقوله :
أوقدوا نارا للحرب كذلك ، ولا نار في الحقيقة ، إذ لم يؤثر عن العرب أن لهم نارا تختص بالحرب تعد في نيران العرب التي يوقدونها لأغراض . وقد وهم من ظنها حقيقة ، ونبه المحققون على وهمه .
وشبه حال انحلال عزمهم أو انهزامهم وسرعة ارتدادهم عنها ، وإحجامهم عن مصابحة أعدائهم ، بحال من انطفأت ناره التي أوقدها .
[ ص: 252 ] ومن بداعة هذا التمثيل أنه صالح لأن يعتبر فيه جمعه وتفريقه ، بأن يجعل تمثيلا واحدا لحالة مجموعة أو تمثيلين لحالتين ، وقبول التمثيل للتفريق أتم بلاغة . والمعنى أنهم لا يلتئم لهم أمر حرب ولا يستطيعون نكاية عدو ، ولو حاربوا أو حوربوا انهزموا ، فيكون معنى الآية على هذا كقوله :
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا .
وأما ما يروى أن
معدا كلها لما حاربوا مذحج يوم
خزازى ، وسيادتهم
لتغلب وقائدهم
كليب ، أمر
كليب أن يوقدوا نارا على
جبل خزازى ليهتدي بها الجيش لكثرته ، وجعلوا العلامة بينهم أنهم إذا دهمتهم جيوش
مذحج أوقدوا نارين على
خزازى ، فلما دهمتهم
مذحج أوقدوا النار فتجمعت
معد كلها إلى ساحة القتال وانهزمت
مذحج . وهذا الذي أشار إليه
عمرو بن كلثوم بقوله :
ونحن غداة أوقد في خزازى رفدنا فوق رفد الرافدينـا
فتلك شعار خاص تواضعوا عليه يومئذ فلا يعد عادة في جميع الحروب . وحيث لا تعرف نار للحرب تعين الحمل على التمثيل ، ولذلك أجمع عليه المفسرون في هذه الآية فليس الكلام بحقيقة ولا كناية .
وقوله :
ويسعون في الأرض فسادا القول فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفا عند قوله تعالى
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا .