وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون .
عطف على قوله
هو الذي خلقكم من طين أي خلقكم ولم يهمل مراقبتكم ، فهو يعلم أحوالكم كلها .
فالضمير مبتدأ عائد إلى اسم الجلالة من قوله :
الحمد لله وليس ضمير فصل ؛ إذ لا يقع ضمير الفصل بعد حرف العطف . وقوله : الله خبر عن المبتدأ . وإذ كان المبتدأ ضميرا عائدا إلى اسم الله لم يكن المقصود الإخبار بأن هذا الذي خلق وقضى هو الله إذ قد علم ذلك من معاد الضمائر ، فتعين أن يكون المقصود من الإخبار عنه بأنه الله معنى يفيده المقام ، وذلك هو أن يكون كالنتيجة للأخبار الماضية ابتداء من قوله :
الحمد لله الذي خلق فنبه على فساد اعتقاد الذين أثبتوا الإلهية لغير الله وحمدوا آلهتهم بأنه خالق الأكوان وخالق الإنسان ومعيده ، ثم أعلن أنه المنفرد بالإلهية في السماوات وفي الأرض ; إذ لا خالق غيره كما تقرر آنفا . وإذ هو عالم السر والجهر ، وغيره لا إحساس له فضلا عن العقل فضلا عن أن يكون عالما .
ولما كان اسم الجلالة معروفا عندهم لا يلتبس بغيره صار قوله :
وهو الله في معنى الموصوف بهذه الصفات هو صاحب هذا الاسم لا غيره .
وقوله :
في السماوات وفي الأرض متعلق بالكون المستفاد من جملة القصر ، أو بما
[ ص: 133 ] في
الحمد لله من معنى الانفراد بالإلهية ، كما يقول من يذكر جوادا ثم يقول : هو حاتم في العرب ، وهذا لقصد التنصيص على أنه لا يشاركه أحد في صفاته في الكائنات كلها .
وقوله :
يعلم سركم وجهركم جملة مقررة لمعنى جملة
وهو الله ؛ ولذلك فصلت ، لأنها تتنزل منها منزلة التوكيد لأن انفراده بالإلهية في السماوات وفي الأرض مما يقتضي علمه بأحوال بعض الموجودات الأرضية .
ولا يجوز تعليق
في السماوات وفي الأرض بالفعل في قوله :
يعلم سركم لأن سر الناس وجهرهم وكسبهم حاصل في الأرض خاصة دون السماوات ، فمن قدر ذلك فقد أخطأ خطأ خفيا .
وذكر السر لأن علم السر دليل عموم العلم ، وذكر الجهر لاستيعاب نوعي الأقوال . والمراد بـ
ما تكسبون جميع الاعتقادات والأعمال من خير وشر فهو تعريض بالوعد والوعيد .
والخطاب لجميع السامعين ; فدخل فيه الكافرون ، وهم المقصود الأول من هذا الخطاب ، لأنه تعليم وإيقاظ بالنسبة إليهم ، وتذكير بالنسبة إلى المؤمنين .