صفحة جزء
وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون .

عطف على جملة ومنهم من يستمع إليك ، والضميران المجروران عائدان إلى القرآن المشار إليه باسم الإشارة في قولهم : إن هذا إلا أساطير الأولين . ومعنى النهي عنه النهي عن استماعه . فهو من تعليق الحكم بالذات . والمراد حالة من أحوالها يعينها [ ص: 183 ] المقام . وكذلك النأي عنه معناه النأي عن استماعه ، أي هم ينهون الناس عن استماعه ويتباعدون عن استماعه . قال النابغة :


لقد نهيت بني ذبيان عن أقر وعن تربعهم في كل أصفار

يعني نهيتهم عن الرعي في ذي أقر ، وهو حمى الملك النعمان بن الحارث الغساني . وبين قوله ( ينهون ) و ( وينأون ) الجناس القريب من التمام .

والقصر في قوله : وإن يهلكون إلا أنفسهم قصر إضافي يفيد قلب اعتقادهم لأنهم يظنون بالنهي والنأي عن القرآن أنهم يضرون النبيء - صلى الله عليه وسلم - لئلا يتبعوه ولا يتبعه الناس ، وهم إنما يهلكون أنفسهم بدوامهم على الضلال وبتضليل الناس ، فيحملون أوزارهم وأوزار الناس ، وفي هذه الجملة تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام وأن ما أرادوا به نكايته إنما يضرون به أنفسهم .

وأصل الهلاك الموت . ويطلق على المضرة الشديدة لأن الشائع بين الناس أن الموت أشد الضر . فالمراد بالهلاك هنا ما يلقونه في الدنيا من القتل والمذلة عند نصر الإسلام وفي الآخرة من العذاب .

والنأي : البعد . وهو قاصر لا يتعدى إلى مفعول إلا بحرف جر ، وما ورد متعديا بنفسه فذلك على طريق الحذف والإيصال في الضرورة .

وعقب قوله : وإن يهلكون إلا أنفسهم بقوله وما يشعرون زيادة في تحقيق الخطأ في اعتقادهم ، وإظهارا لضعف عقولهم مع أنهم كانوا يعدون أنفسهم قادة للناس ، ولذلك فالوجه أن تكون الواو في قوله وما يشعرون للعطف لا للحال ليفيد ذلك كون ما بعدها مقصودا به الإخبار المستقل لأن الناس يعدونهم أعظم عقلائهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية