إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون .
تعليل لما أفاده قوله
وإن كان كبر عليك إعراضهم إلى قوله
فلا تكونن من الجاهلين من تأييس من ولوج الدعوة إلى أنفسهم ، أي لا يستجيب الذين يسمعون دون هؤلاء الذين حرمهم فائدة السمع وفهم المسموع .
ومفهوم الحصر مؤذن بإعمال منطوقه الذي يومئ إلى إرجاء بعد تأييس بأن الله جعل لقوم آخرين قلوبا يفقهون بها وآذانا يسمعون بها فأولئك يستجيبون .
وقوله يستجيب بمعنى يجيب ، فالسين والتاء زائدان للتأكيد ، وقد تقدم الكلام على هذا الفعل عند قوله تعالى
فاستجاب لهم ربهم في سورة آل عمران . وحذف متعلق يستجيب لظهوره من المقام لأن المقام مقام الدعوة إلى التوحيد وتصديق الرسول .
ومعنى يسمعون ، أنهم يفقهون ما يلقى إليهم من الإرشاد لأن الضالين كمن لا يسمع . فالمقصود سمع خاص وهو سمع الاعتبار .
أما قوله
والموتى يبعثهم الله فالوجه أنه مقابل لـ
الذين يسمعون ولذلك حسن عطف هذه الجملة على جملة
إنما يستجيب الذين يسمعون . فمعنى الكلام : وأما المعرضون
[ ص: 208 ] عنك فهم مثل الموتى فلا يستجيبون ، كقوله
إنك لا تسمع الموتى . فحذف من الكلام ما دل عليه السياق ، فإن الذي لا يسمع قد يكون فقدان سمعه من علة كالصمم ، وقد يكون من عدم الحياة ، كما قال
عبد الرحمن بن الحكم الثقفي :
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
فتضمن عطف
والموتى يبعثهم الله تعريضا بأن هؤلاء كالأموات لا ترجى منهم استجابة . وتخلص إلى وعيدهم بأنه يبعثهم بعد موتهم ، أي لا يرجى منهم رجوع إلى الحق إلى أن يبعثوا ، وحينئذ يلاقون جزاء كفرهم . والموتى استعارة لمن لا ينتفعون بعقولهم ومواهبهم في أهم الأشياء ، وهو ما يرضي الله تعالى . و ( يبعثهم ) على هذا حقيقة ، وهو ترشيح للاستعارة ، لأن البعث من ملائمات المشبه به في العرف وإن كان الحي يخبر عنه بأنه يبعث ، أي بعد موته ، ولكن العرف لا يذكر البعث إلا باعتبار وصف المبعوث بأنه ميت .
ويجوز أن يكون البعث استعارة أيضا للهداية بعد الضلال تبعا لاستعارة الموت لعدم قبول الهدى على الوجهين المعروفين في الترشيح في فن البيان من كونه تارة يبقى على حقيقته لا يقصد منه إلا تقوية الاستعارة ، وتارة يستعار من ملائم المشبه به إلى شبهه من ملائم المشبه ، كقوله تعالى
واعتصموا بحبل الله جميعا . فيكون على هذا الوجه في الكلام وعد للرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن بعض هؤلاء الضالين المكذبين سيهديهم الله تعالى إلى الإسلام ، وهم من لم يسبق في علمه حرمانهم من الإيمان .
فعلى الوجه الأول يكون قوله
ثم إليه يرجعون زيادة في التهديد والوعيد . وعلى الوجه الثاني يكون تحريضا لهم على الإيمان ليلقوا جزاءه حين يرجعون إلى الله . ويجوز أن يكون الوقف عند قوله تعالى يبعثهم الله . وتم التمثيل هنالك . ويكون قوله
ثم إليه يرجعون استطرادا تخلص به إلى قرع أسمائهم بإثبات الحشر الذي يقع بعد البعث الحقيقي ، فيكون البعث في قوله يبعثهم الله مستعملا في حقيقته ومجازه . وقريب منه في التخلص قوله تعالى
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى في سورة البقرة .