[ ص: 330 ] وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون .
عطفت جملة " وكيف أخاف " على جملة " ولا أخاف ما تشركون به " ليبين لهم أن عدم خوفه من آلهتهم أقل عجبا من عدم خوفهم من الله تعالى ، وهذا يؤذن بأن قومه كانوا يعرفون الله وأنهم أشركوا معه في الإلهية غيره فلذلك احتج عليهم بأنهم أشركوا بربهم المعترف به دون أن ينزل عليهم سلطانا بذلك .
و " كيف " استفهام إنكاري ، لأنهم دعوه إلى أن يخاف بأس الآلهة فأنكر هو عليهم ذلك وقلب عليهم الحجة ، فأنكر عليهم أنهم لم يخافوا الله حين أشركوا به غيره بدون دليل نصبه لهم فجمعت كيف الإنكار على الأمرين .
قالوا وفي قوله
ولا تخافون أنكم أشركتم يجوز أن تكون عاطفة على جملة أخاف ما أشركتم فيدخل كلتاهما في حكم الإنكار ، فخوفه من آلهتهم منكر ، وعدم خوفهم من الله منكر .
ويجوز أن تكون الواو للحال فيكون محل الإنكار هو دعوتهم إياه إلى الخوف من آلهتهم في حال إعراضهم عن الخوف ممن هو أعظم سلطانا وأشد بطشا ، فتفيد كيف مع الإنكار معنى التعجيب على نحو قوله تعالى
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم . ولا يقتضي ذلك أن تخويفهم إياه من أصنامهم لا ينكر عليهم إلا في حال إعراضهم عن الخوف من الله لأن المقصود على هذا إنكار تحميق ومقابلة حال بحال ، لا بيان ما هو منكر وما ليس بمنكر ، بقرينة قوله في آخره
فأي الفريقين أحق بالأمن . وهذا الوجه أبلغ .
و " ما أشركتم " موصولة والعائد محذوف ، أي ما أشركتم به . حذف لدلالة قوله
ولا أخاف ما تشركون به عليه ، والموصول في محل المفعول ( به ) ، لـ ما أشركتم .
[ ص: 331 ] وفي قوله " أنكم أشركتم " حذفت ( من ) المتعلقة بـ " تخافون " لاطراد حذف الجار مع ( أن ) ، أي من إشراككم ، ولم يقل : ولا تخافون الله ، لأن القوم كانوا يعرفون الله ويخافونه ولكنهم لم يخافوا الإشراك به . و
ما لم ينزل به عليكم سلطانا موصول مع صلته مفعول " أنكم أشركتم " .
ومعنى
لم ينزل به عليكم لم يخبركم بإلهية الأصنام التي عبدتموها ولم يأمركم بعبادتها خبرا تعلمون أنه من عنده فلذلك استعار لذلك الخبر التنزيل تشبيها لعظم قدره بالرفعة ، ولبلوغه إلى من هم دون المخبر ، بنزول الشيء العالي إلى أسفل منه .
والسلطان : الحجة لأنها تتسلط على نفس المخاصم ، أي لم يأتكم خبر منه تجعلونه حجة على صحة عبادتكم الأصنام .
والفاء في قوله
فأي الفريقين تفريع على الإنكار ، والتعجيب فرع عليهما استفهاما ملجئا إلى الاعتراف بأنهم أولى بالخوف من الله من
إبراهيم من آلهتهم . والاستفهام بـ " أي " للتقرير بأن فريقه هو وحده أحق بالأمن .
والفريق : الطائفة الكثيرة من الناس المتميزة عن غيرها بشيء يجمعها من نسب أو مكان أو غيرهما ، مشتق من فرق إذا ميز . والفرقة أقل من الفريق ، وأراد بالفريقين هنا قومه ونفسه ، فأطلق على نفسه الفريق تغليبا ، أو أراد نفسه ومن تبعه إن كان له أتباع ساعتئذ ، قال تعالى
فآمن له لوط ، أو أراد من سيوجد من أتباع ملته ، كما يناسب قوله
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم .
والتعريف في الأمن للجنس ، وهو ضد الخوف ، وجملة إن كنتم تعلمون مستأنفة ابتدائية ، وجواب شرطها محذوف دل عليه الاستفهام ، تقديره : فأجيبوني ، وفيه استحثاث على الجواب .