ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون .
استئناف بياني ، أي لا تعجبوا من هديهم وضلال غيرهم .
والإشارة إلى الهدى الذي هو مصدر مأخوذ من أفعال الهداية الثلاثة المذكورة في الآية قبلها ، وخصوصا المذكور آخرا بقوله "
وهديناهم إلى صراط مستقيم " . وقد زاد اسم الإشارة اهتماما بشأن الهدي إذ جعل كالشيء
[ ص: 351 ] المشاهد فزيد باسم الإشارة كمال تمييز ، وأخبر عن الهدى بأنه هدى الله لتشريف أمره وبيان عصمته من الخطأ والضلال ، وفيه تعريض بما عليه المشركون مما يزعمونه هدى ويتلقونه عن كبرائهم ، أمثال
عمرو بن لحي الذي وضع لهم عبادة الأصنام ، ومثل الكهان وأضرابهم . وقد جاء هذا الكلام على طريقة الفذلكة لأحوال الهداية التي تكرر ذكرها كأبيات
حاتم الطائي :
ولله صعلوك يساور همه ويمضي على الأحداث والدهر مقدما
إلى أن قال بعد أبيات سبعة في محامد ذلك الصعلوك :
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما
وقوله تعالى
يهدي به من يشاء من عباده جملة في موضع الحال من " هدى الله " . والمراد بـ من يشاء الذين اصطفاهم الله واجتباهم ، وهو أعلم بهم وباستعدادهم لهديه ونبذهم المكابرة وإقبالهم على طلب الخير وتطلعهم إليه وتدرجهم فيه إلى أن يبلغوا مرتبة إفاضة الله عليهم الوحي أو التوفيق والإلهام الصادق .
ففي قوله " من يشاء " من الإبهام ما يبعث النفوس على تطلب هدى الله تعالى والتعرض لنفحاته ، وفيه تعريض بالمشركين الذين أنكروا نبوءة
محمد صلى الله عليه وسلم حسدا ، ولذلك أعقبه بقوله ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون تفظيعا لأمر الشرك وأنه لا يغتفر لأحد ولو بلغ من فضائل الأعمال مبلغا عظيما مثل هؤلاء المعدودين المنوه بهم . " والواو " للحال . وحبط معناه تلف . أي بطل ثوابه . وقد تقدم في قوله تعالى
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في سورة البقرة .