وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون .
جملة معترضة تذييلا لما قبلها . والواو اعتراضية فهو متصل بجملة
قد جاءكم بصائر من ربكم التي هي من خطاب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتقدير ( قل ) كما تقدم ، والإشارة بقوله وكذلك إلى التصريف المأخوذ من قوله نصرف الآيات . أي ومثل ذلك التصريف نصرف الآيات . وتقدم نظيره غير مرة وأولها قوله "
وكذلك جعلناكم أمة وسطا " في سورة البقرة .
والقول في تصريف الآيات تقدم في قوله تعالى
انظر كيف نصرف الآيات في هذه السورة .
وقوله
وليقولوا درست معطوف على وكذلك
نصرف الآيات . وقد
[ ص: 422 ] تقدم بيان معنى هذا العطف في نظيره في قوله تعالى
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين من هذه السورة . ولكن ما هنا يخالف ما تقدم مخالفة ما ؛ فإن قول المشركين للرسول عليه الصلاة والسلام درست لا يناسب أن يكون علة لتصريف الآيات ، فتعين أن تكون اللام مستعارة لمعنى العاقبة والصيرورة كالتي في قوله تعالى
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا . المعنى فكان لهم عدوا . وكذلك هنا ، أي نصرف الآيات مثل هذا التصريف الساطع فيحسبونك اقتبسته بالدراسة والتعليم فيقولوا : درست . والمعنى : أنا نصرف الآيات ونبينها تبيينا من شأنه أن يصدر من العالم الذي درس العلم فيقول المشركون درست هذا وتلقيته من العلماء والكتب ، لإعراضهم عن النظر الصحيح الموصل إلى أن صدور مثل هذا التبيين من رجل يعلمونه أميا لا يكون إلا من قبل وحي من الله إليه ، وهذا كقوله " ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر " وهم قد قالوا ذلك من قبل ، ويقولونه ويزيدون بمقدار زيادة تصريف الآيات ، فشبه ترتب قولهم على التصريف بترتب العلة الغائية ، واستعير لهذا المعنى الحرف الموضوع للعلة على وجه الاستعارة التبعية ، ولذلك سمى بعض النحويين مثل هذه اللام لام الصيرورة ، وليس مرادهم أن الصيرورة معنى من معاني اللام ولكنه إفصاح عن حاصل المعنى .
والدراسة : القراءة بتمهل للحفظ أو للفهم ، وتقدم عند قوله تعالى
وبما كنتم تدرسون في سورة آل عمران . وفعله من باب " نصر " . يقال : درس الكتاب ، أي تعلم . وقد تقدم في قوله تعالى
بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ، وقال
ودرسوا ما فيه . وسمي بيت تعلم
اليهود المدراس ، وسمي البيت الذي يسكنه التلامذة ويتعلمون فيه المدرسة . والمعنى يقولون : تعلمت ، طعنا في
أمية الرسول عليه الصلاة والسلام لئلا يلزمهم أن ما جاء به من العلم وحي من الله تعالى .
وقرأ الجمهور " درست " بدون ألف وبفتح التاء . وقرأه
ابن كثير ، وأبو عمرو ( دارست ) على صيغة المفاعلة وبفتح التاء أي يقولون : قرأت وقرئ
[ ص: 423 ] عليك ، أي دارست أهل الكتاب وذاكرتهم في عملهم . وقرأه
ابن عامر ويعقوب " درست " بصيغة الماضي وتاء التأنيث أي الآيات ، أي تكررت .
وأما اللام في قوله
ولنبينه لقوم يعلمون فهي لام التعليل الحقيقية .
وضمير نبينه عائد إلى القرآن لأنه ماصدق الآيات ، ولأنه معلوم من السياق .
والقوم هم الذين اهتدوا وآمنوا كما تقدم في قوله
قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ، والكلام تعريض كما تقدم .
والمعنى أن هذا التصريف حصل منه هدى للموفقين ومكابرة للمخاذيل ، كقوله تعالى
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين .