[ ص: 5 ] ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون .
جملة
ولو أننا معطوفة على جملة
وما يشعركم باعتبار كون جملة
وما يشعركم عطفا على جملة
قل إنما الآيات عند الله فتكون ثلاثتها ردا على مضمون جملة (
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ) إلخ ، وبيانا لجملة (
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون )
روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن المستهزئين ؛
الوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن حنظلة ، من أهل
مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من
أهل مكة فقالوا : أرنا الملائكة يشهدون لك أو ابعث لنا بعض موتانا فنسألهم : أحق ما تقول ، وقيل : إن المشركين قالوا : لا نؤمن لك حتى يحشر
قصي فيخبرنا بصدقك أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا ؛ أي : كفيلا ، فنزل قوله تعالى :
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة للرد عليهم وحكى الله عنهم (
وقالوا لن نؤمن لك ) إلى قوله : (
أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) في سورة الإسراء .
وذكر ثلاثة أشياء من خوارق العادات مسايرة لمقترحاتهم ، لأنهم اقترحوا ذلك ، وقوله :
وحشرنا عليهم كل شيء يشير إلى مجموع ما سألوه وغيره .
[ ص: 6 ] والحشر : الجمع ، ومنه
وحشر لسليمان جنوده وضمن معنى البعث والإرسال فعدي بـ ( على ) كما قال تعالى :
بعثنا عليكم عبادا لنا .
و كل شيء يعم الموجودات كلها ، لكن المقام يخصصه بكل شيء مما سألوه ، أو من جنس خوارق العادات والآيات ، فهذا من العام المراد به الخصوص مثل قوله تعالى في ريح
عاد :
تدمر كل شيء بأمر ربها والقرينة هي ما ذكر قبله من قوله : (
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) .
وقوله : ( قبلا ) قرأه
نافع ، وابن عامر وأبو جعفر - بكسر القاف وفتح الباء - وهو بمعنى المقابلة والمواجهة ؛ أي : حشرنا كل شيء من ذلك عيانا ، وقرأه الباقون بضم القاف والباء وهو لغة في ( قبل ) بمعنى المواجهة والمعاينة ؛ وتأولها بعض المفسرين بتأويلات أخرى بعيدة عن الاستعمال ، وغير مناسبة للمعنى .
و
ما كانوا ليؤمنوا هو أشد من ( لا يؤمنون ) تقوية لنفي إيمانهم ، مع ذلك كله ؛ لأنهم معاندون مكابرون غير طالبين للحق ؛ لأنهم لو طلبوا الحق بإنصاف لكفتهم معجزة القرآن ، إن لم يكفهم وضوح الحق فيما يدعو إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فالمعنى : الإخبار عن انتفاء إيمانهم في أجدر الأحوال بأن يؤمن لها من يؤمن ، فكيف إذا لم يكن ذلك ، والمقصود انتفاء إيمانهم أبدا .
ولو هذه هي المسماة " لو " الصهيبية ، وسنشرح القول فيها عند قوله تعالى :
ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون في سورة الأنفال .
وقوله :
إلا أن يشاء الله استثناء من عموم الأحوال التي تضمنها عموم نفي إيمانهم ، فالتقدير : إلا بمشيئة الله ؛ أي : حال أن يشاء الله تغيير قلوبهم فيؤمنوا طوعا ، أو أن يكرههم على الإيمان بأن يسلط عليهم رسوله صلى الله
[ ص: 7 ] عليه وسلم ، كما أراد الله ذلك بفتح
مكة وما بعده ، ففي قوله :
إلا أن يشاء الله تعريض بوعد المسلمين بذلك ، وحذفت الباء مع ( أن ) .
ووقع إظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار ؛ لأن اسم الجلالة يومئ إلى مقام الإطلاق وهو مقام (
لا يسأل عما يفعل ) ويومئ إلى أن ذلك جرى على حسب الحكمة ؛ لأن اسم الجلالة يتضمن جميع صفات الكمال .
والاستدراك بقوله :
ولكن أكثرهم يجهلون راجع إلى قوله :
إلا أن يشاء الله المقتضي أنهم يؤمنون إذا شاء الله إيمانهم ، ذلك أنهم ما سألوا الآيات إلا لتوجيه بقائهم على دينهم ، فإنهم كانوا مصممين على نبذ دعوة الإيمان ، وإنما يتعللون بالعلل بطلب الآيات استهزاء ، فكان إيمانهم في نظرهم من قبيل المحال ، فبين الله لهم أنه إذا شاء إيمانهم آمنوا ، فالجهل على هذا المعنى : هو ضد العلم ، وفي هذا زيادة تنبيه إلى ما أشار إليه قوله : (
إلا أن يشاء الله ) من أن ذلك سيكون ، وقد حصل إيمان كثير منهم بعد هذه الآية ، وإسناد الجهل إلى أكثرهم يدل على أن منهم عقلاء يحسبون ذلك .
ويجوز أن يكون الاستدراك راجعا إلى ما تضمنه الشرط وجوابه من انتفاء إيمانهم مع إظهار الآيات لهم ؛ أي : لا يؤمنون ، ويزيدهم ذلك جهلا على جهلهم ، فيكون المراد بالجهل ضد الحلم ؛ لأنهم مستهزئون ، وإسناد الجهل إلى أكثرهم لإخراج قليل منهم وهم أهل الرأي والحلم فإنهم يرجى إيمانهم ، لو ظهرت لهم الآيات ، وبهذا التفسير يظهر موقع الاستدراك .
فضمير يجهلون عائد إلى المشركين لا محالة كبقية الضمائر التي قبله .