ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون
عطف قوله : ولتصغى على ( غرورا ) لأن ( غرورا ) في معنى ليغروهم ، واللام لام كي وما بعدها في تأويل مصدر ؛ أي : ولصغي ؛ أي : ميل قلوبهم إلى وحيهم ، فتقوم عليهم الحجة .
[ ص: 12 ] ومعنى تصغى تميل ، يقال : صغى يصغى صغيا ، ويصغو صغوا - بالياء وبالواو - ووردت الآية على اعتباره - بالياء - لأنه رسم في المصحف بصورة الياء ، وحقيقته الميل الحسي ؛ يقال : صغى ؛ أي : مال ، وأصغى أمال . وفي حديث الهرة : أنه أصغى إليها الإناء ، ومنه أطلق : أصغى بمعنى استمع ؛ لأن أصله أمال سمعه أو أذنه ، ثم حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال ، وهو هنا مجاز في الاتباع وقبول القول .
والذين لا يؤمنون بالآخرة هم المشركون وخص
من صفات المشركين عدم إيمانهم بالآخرة ، فعرفوا بهذه الصلة للإيماء إلى بعض آثار وحي الشياطين لهم ، وهذا الوصف أكبر ما أضر بهم ، إذ كانوا بسببه لا يتوخون فيما يصنعون خشية العاقبة وطلب الخير ، بل يتبعون أهواءهم وما يزين لهم من شهواتهم ، معرضين عما في خلال ذلك من المفاسد والكفر ؛ إذ لا يترقبون جزاء عن الخير والشر ، فلذلك تصغى عقولهم إلى غرور الشياطين ، ولا تصغى إلى دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم والصالحين .
وعطف وليرضوه على ولتصغى وإن كان الصغي يقتضي الرضى ويسببه ، فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء ، وأن لا تكرر لام التعليل ، فخولف مقتضى الظاهر للدلالة على استقلاله بالتعليل ، فعطف بالواو وأعيدت اللام لتأكيد الاستقلال ، فيدل على أن صغي أفئدتهم إليه ما كان يكفي لعملهم به إلا لأنهم رضوه .
وعطف
وليقترفوا ما هم مقترفون على وليرضوه كعطف وليرضوه على ( ولتصغى .
والاقتراف افتعال من قرف إذا كسب سيئة ، قال تعالى بعد هذه الآية :
إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون فذكر هنالك ليكسبون مفعولا ؛ لأن الكسب يعم الخير والشر ، ولم يذكر هنا
[ ص: 13 ] لـ ( يقترفون ) مفعولا ؛ لأنه لا يكون إلا اكتساب الشر ، ولم يقل : سيجزون بما كانوا يكسبون لقصد تأكيد معنى الإثم .
يقال : قرف واقترف وقارف ، وصيغة الافتعال وصيغة المفاعلة فيه للمبالغة ، وهذه المادة تؤذن بأمر ذميم ، وحكوا أنه يقال : قرف فلان لعياله ؛ أي : كسب ، ولا أحسبه صحيحا .
وجيء في صلة الموصول بالجملة الاسمية في قوله :
ما هم مقترفون للدلالة على تمكنهم في ذلك الاقتراف وثباتهم فيه .