لا نكلف نفسا إلا وسعها ظاهر تعقيب جملة :
وأوفوا الكيل إلخ بجملة :
لا نكلف نفسا إلا وسعها أنها متعلقة بالتي وليتها فتكون احتراسا ، أي لا نكلفكم تمام القسط في الكيل والميزان بالحبة والذرة ولكنا نكلفكم ما تظنون أنه عدل ووفاء .
والمقصود من هذا الاحتراس أن لا يترك الناس التعامل بينهم خشية الغلط أو الغفلة ، فيفضي ذلك إلى تعطيل منافع جمة . وقد عدل في هذا الاحتراس عن طريق الغيبة الذي بني عليه المقول ابتداء من قوله :
ما حرم ربكم عليكم لما في
[ ص: 166 ] هذا الاحتراس من الامتنان ، فتولى الله خطاب الناس فيه بطريق التكلم مباشرة زيادة بالمنة ، وتصديقا للمبلغ ، فالوصاية بإيفاء الكيل والميزان راجعة إلى حفظ مال المشتري من مظنة الإضاعة ، لأن حالة الكيل والوزن حالة غفلة للمشتري ، إذ البائع هو الذي بيده المكيال أو الميزان ، ولأن المشتري لرغبته في تحصيل المكيل أو الموزون قد يتحمل التطفف ، فأوصي البائع بإيفاء الكيل والميزان . وهذا الأمر يدل بفحوى الخطاب على وجوب حفظ المال فيما هو أشد من التطفف ، فإن التطفف إن هو إلا مخالسة قدر يسير من المبيع ، وهو الذي لا يظهر حين التقدير ، فأكل ما هو أكثر من ذلك من المال أولى بالحفظ ، وتجنب الاعتداء عليه .
ويجوز أن تكون جملة :
لا نكلف نفسا إلا وسعها تذييلا للجمل التي قبلها ، تسجيلا عليهم بأن جميع ما دعوا إليه هو في طاقتهم ومكنتهم .
وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى :
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها في آخر سورة البقرة .