[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأعراف
قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتناكان جوابهم عن حجة
شعيب جواب المفحم عن الحجة ، الصائر إلى الشدة ، المزدهي بالقوة ، المتوقع أن يكثر معاندوه ، فلذلك عدلوا إلى إقصاء
شعيب وأتباعه عن بلادهم خشية ظهور دعوته بين قومهم ، وبث أتباعه دعوته بين الناس ، فلذلك قالوا ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا )
وتفسير صدر الآية هو كتفسير نظيره من قصة
ثمود .
وإيثار وصفهم بالاستكبار هنا دون الكفر ، مع أنه لم يحك عنهم هنا خطاب المستضعفين ، حتى يكون ذكر الاستكبار إشارة إلى أنهم استضعفوا المؤمنين كما اقتضته قصة
ثمود ، فاختير وصف الاستكبار هنا لمناسبة مخاطبتهم شعيبا بالإخراج أو الإكراه على اتباع دينهم ، وذلك من فعل الجبارين أصحاب القوة .
وكان إخراج المغضوب عليه من ديار قبيلته عقوبة متبعة في العرب إذا أجمعت القبيلة على ذلك ويسمى هذا الإخراج عند العرب بالخلع ، والمخرج يسمى خليعا .
قال
امرؤ القيس :
به الذئب يعوي كالخليع المعيل
وأكدوا التوعد بلام القسم ونون التوكيد : ليوقن شعيب بأنهم منجزو ذلك الوعيد .
[ ص: 6 ] وخطابهم إياه بالنداء جار على طريقة خطاب الغضب ، كما حكى الله قول
آزر خطابا
لإبراهيم - عليه السلام - أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم .
وقوله ( معك ) متعلق بـ لنخرجنك ، ومتعلق آمنوا محذوف ، أي بك ، لأنهم لا يصفونهم بالإيمان الحق في اعتقادهم .
والقرية
المدينة لأنها يجتمع بها السكان . والتقري : الاجتماع . وقد تقدم عند قوله تعالى : أو كالذي مر على قرية ، والمراد بقريتهم هنا هي
الأيكة وهي
تبوك وقد رددوا أمر
شعيب ومن معه بين أن يخرجوا من القرية وبين العود إلى ملة الكفر .
وقد جعلوا عود
شعيب والذين معه إلى ملة القوم مقسما عليه فقالوا أو لتعودن ولم يقولوا : لنخرجنكم من أرضنا أو تعودن في ملتنا ، لأنهم أرادوا ترديد الأمرين في حيز القسم لأنهم فاعلون أحد الأمرين لا محالة وأنهم ملحون في عودهم إلى ملتهم .
وكانوا يظنون اختياره العود إلى ملتهم ، فأكدوا هذا العود بالقسم للإشارة إلى أنه لا محيد عن حصوله عوضا عن حصول الإخراج لأن أحد الأمرين مرض للمقسمين ، وأيضا فإن التوكيد مؤذن بأنهم إن أبوا الخروج من القرية فإنهم يكرهون على العود إلى ملة القوم كما دل عليه قول
شعيب في جوابهم : أو لو كنا كارهين ولما كان المقام للتوعد والتهديد كان ذكر الإخراج من أرضهم أهم ، فلذلك قدموا القسم عليه ثم أعقبوه بالمعطوف بحرف أو .
والعود : الرجوع إلى ما كان فيه المرء من مكان أو عمل ، وجعلوا موافقة
شعيب إياهم على الكفر عودا لأنهم يحسبون
شعيبا كان على دينهم ، حيث لم يكونوا يعلمون منه ما يخالف ذلك ، فهم يحسبونه موافقا لهم من قبل أن يدعو إلى ما دعا إليه . وشأن الذين أرادهم الله للنبوءة أن يكونوا غير مشاركين لأهل الضلال من قومهم ولكنهم يكونون قبل أن يوحى إليهم في حالة خلو عن الإيمان حتى يهديهم الله إليه تدريجا ، وقومهم لا يعلمون باطنهم فلا حيرة في تسمية قومه موافقته إياهم عودا .
وهذا بناء على أن
الأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوءة ، وذلك قول جميع المتكلمين من المسلمين ، وقد نبه على ذلك عياض في الشفاء في القسم الثالث وأورد قول شعيب : إن عدنا في ملتكم وتأول العود بأنه المصير ، وذلك تأويل كثير من
[ ص: 7 ] المفسرين لهذه الآية . ودليل العصمة من هذا هو كمالهم ، والدليل مبني على أن خلاف الكمال قبل الوحي يعد نقصا ، وليس في الشريعة دليل قاطع على ذلك . وإنما الإشكال في قول
شعيب إن عدنا في ملتكم فوجهه أنه أجراه على المشاكلة والتغليب ، وكلاهما مصحح لاستعمال لفظ العود في غير معناه بالنسبة إليه خاصة ، وقد تولى
شعيب الجواب عمن معه من المؤمنين ليقينه بصدق إيمانهم .
والملة : الدين ، وقد تقدم في قوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه في سورة البقرة .
وفصل جملة قال الملأ لوقوعها في المحاورة على ما بيناه عند قوله تعالى قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها في سورة البقرة .