(
واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) نزلت عقب
بدر ، فقيل : خطاب
للمهاجرين خاصة كانوا
بمكة قليلي العدد مقهورين فيها يخافون أن يسلبهم المشركون ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فآواهم
بالمدينة ، وأيدهم بالنصر يوم
بدر ، والطيبات الغنائم ، وما فتح به عليهم ; وقيل : الخطاب للرسول والصحابة وهي حالهم يوم
بدر ، والطيبات الغنائم ، والناس عسكر
مكة وسائر القبائل المجاورة ، والتأييد هو الإمداد بالملائكة والتغلب على العدد ، وقال
وهب وقتادة : الخطاب للعرب قاطبة ، فإنها كانت أعرى الناس أجساما وأجوعهم بطونا وأقلهم حالا حسنة ، والناس
فارس والروم ، والمأوى النبوة والشريعة ، والتأييد بالنصر فتح البلاد وغلبة الملوك ، والطيبات تعم المآكل والمشارب والملابس ، قال
ابن عطية : هذا التأويل يرده أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل ، ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول ، وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب بهذه الآية في آخر زمان
عمر رضي الله عنه ، فإن تمثل أحد بهذه الآية بحال العرب فتمثيله صحيح ، وأما أن يكون حالة العرب هي سبب نزول الآية فبعيد لما ذكرناه ، انتهى ، وهذه الآية تعديل لنعمه تعالى عليهم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إذ أنتم ، نصب على أنه مفعول به لاذكروا ظرف ، أي : اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة ، انتهى ، وفيه التصرف في إذ بنصبها مفعولة وهي من الظروف التي لا تتصرف إلا بأن أضيف إليها الأزمان ، وقال
ابن عطية : وإذ ظرف لمعمول واذكروا ، تقديره :
[ ص: 486 ] واذكروا حالكم الكائنة ، أو الثابتة ; إذ أنتم قليل ، ولا يجوز أن تكون إذ ظرفا لاذكروا ، وإنما تعمل اذكر في إذ لو قدرناها مفعولة ، انتهى ، وهو تخريج حسن . وقال
الحوفي : إذ أنتم ظرف العامل فيه اذكروا ، انتهى ، وهذا لا يتأتى أصلا ; لأن اذكر للمستقبل ، فلا يكون ظرفه إلا مستقبلا ، وإذ ظرف ماض يستحيل أن يقع فيه المستقبل ، ولعلكم تشكرون متعلق بقوله : فآواكم وما بعده ، أي : فعل هذا الإحسان لإرادة الشكر .
(
يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والأكثرون : نزلت في
أبي لبابة حين استنصحته
قريظة لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم إلى أذرعات وأريحا كفعله
ببني النضير ، فأشار
أبو لبابة إلى حلقه ، أي : ليس عند الرسول إلا الذبح ، فكانت هذه خيانته في قصة طويلة ، وقال
جابر : في رجل من المنافقين كتب إلى
أبي سفيان بشيء من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة : في قتل
عثمان . قال
ابن عطية : ويشبه أن يتمثل بالآية في قتله ؛ فقد كان قتله خيانة لله ورسوله والأمانات ، انتهى ; وقيل : في
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل
مكة يعلمهم بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ; وقيل : في قوم كانوا يسمعون الحديث من الرسول فيفشونه حتى يبلغ المشركين ، وخيانتهم الله في عدم امتثال أوامره وفعل ما نهى عنه في سر ، وخيانة الرسول فيما استحفظ ، وخيانة الأمانات إسقاطها وعدم الاعتبار بها ; وقيل : وتخونوا ذوي أماناتكم ( وأنتم تعلمون ) جملة حالية ، أي : وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله ، فكان ذلك أبعد لكم من الوقوع في الخيانة ; لأن العالم بما يترتب على الذنب يكون أبعد الناس عنه ; وقيل : وأنتم تعلمون أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو ; وقيل : وأنتم عالمون تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن ، وجوزوا في ( وتخونوا ) أن يكون مجزوما عطفا على لا تخونوا ، ومنصوبا على جواب النهي ، وكونه مجزوما هو الراجح ; لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع ، والجزم يقتضي النهي عن كل واحد ، وقرأ
مجاهد ( أمانتكم ) على التوحيد ، وروي ذلك عن
أبي عمرو .
(
واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ) ، أي : سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم ، أو العذاب ، أو محنة ، واختبار لكم وكيف تحافظون على حدوده فيها ، ففي كون الأجر العظيم عنده إشارة إلى أن لا يفتن المرء بماله وولده ، فيؤثر محبته لهما على ما عند الله فيجمع المال ويحب الولد حتى يؤثر ذلك ، كما فعل
أبو لبابة لأجل كون ماله وولده كانوا عند
بني قريظة .
(
يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) فرقانا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك والسدي وابن قتيبة ومالك فيما روي عن
ابن وهب وابن القاسم وأشهب : مخرجا ، وقرأ
مالك :
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، والمعنى : مخرجا في الدين من الضلال ، وقال
مزرد بن ضرار :
بادر الأفق أن يغيب فلما أظلم الليل لم يجد فرقانا
وقال الآخر :
ما لك من طول الأسى فرقان بعد قطين رحلوا وبانوا
وقال الآخر :
وكيف أرجي الخلد والموت طالبي وما لي من كأس المنية فرقان
وقال
ابن زيد وابن إسحاق : فصلا بين الحق والباطل ، وقال
قتادة وغيره : نجاة ، وقال
الفراء : فتحا ونصرا ، وهو في الآخرة يدخلكم الجنة والكفار النار ، وقال
ابن عطية : فرقا بين حقكم وباطل
[ ص: 487 ] من ينازعكم ، أي : بالنصر والتأييد عليهم ، والفرقان مصدر من فرق بين الشيئين : حال بينهما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : نصرا ; لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ، ومنه قوله تعالى : ( يوم الفرقان ) ، أو بيانا وظهورا يشهد أمركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض ، تقول : بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان ، أي : طلع الفجر ، أو مخرجا من الشبهات وتوفيقا وشرحا للصدور ، أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان ، وفضلا ومزية في الدنيا والآخرة ، انتهى ، ولفظ فرقانا مطلق فيصلح لما يقع به فرق بين المؤمنين والكافرين في أمور الدنيا والآخرة ، والتقوى هنا إن كانت من اتقاء الكبائر كانت السيئات الصغائر ليتغاير الشرط والجواز ، وتكفيرها في الدنيا ، ومغفرتها إزالتها في القيامة ، وتغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار ، وتقدم تفسير (
والله ذو الفضل العظيم ) في البقرة .