(
وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون )
[ ص: 31 ] بين تعالى لحاق
اليهود والنصارى بأهل الشرك وإن اختلفت طرق الشرك في فرق بين من يعبد الصنم وبين من يعبد
المسيح وغيره ; لأن الشرك هو أن يتخذ مع الله معبودا ، بل عابد الوثن أخف كفرا من النصراني ; لأنه لا يعتقد أن الوثن خالق العالم ، والنصراني يقول بالحلول والاتحاد ، وقائل ذلك قوم من
اليهود كانوا
بالمدينة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : قالها أربعة من أحبارهم :
سلام بن مشكم ،
ونعمان بن أوفى ،
وشاس بن قيس ،
ومالك بن الصيف . وقيل : قاله
فنحاص . وقال
النقاش : لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا ، وتذم الطائفة أو تمدح بصدور ما يناسب ذلك من بعضها . قيل : والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذبوا مع تهالكهم على التكذيب . وسبب هذا القول أن
اليهود قتلوا الأنبياء بعد
موسى ، فرفع الله عنهم التوراة ، ومحاها من قلوبهم ، فخرج
عزير ; وهو غلام يسيح في الأرض ، فأتاه
جبريل ، فقال له : إلى أين تذهب ؟ قال : أطلب العلم ، فحفظه التوراة فأملاها عليهم عن ظهر لسانه لا يخرم حرفا فقالوا : ما جمع الله تعالى التوراة في صدره وهو غلام إلا أنه ابنه ، ونقلوا حكايات في ذلك . وظاهر قول
النصارى :
المسيح ابن الله بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة ، وكذا يقتضي قول
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري وغيرهما عنهم : أن المسيح إله ، وأنه ابن الإله . ويقال : إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة ، وهذا القول لم يظهر إلا بعد النبوة المحمدية وظهور دلائل صدقها ، وبعد أن خالطوا المسلمين وناظروهم ، فرجعوا عما كانوا يعتقدونه في
عيسى . وقرأ
عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي :
عزير منونا على أنه عربي ، وباقي السبعة بغير تنوين ممنوع الصرف للعجمة والعلمية ، كعاذر وعيذار
وعزرائيل ، وعلى كلتا القراءتين فابن خبر . وقال
أبو عبيد : هو أعجمي خفيف فانصرف
كنوح ولوط وهود . قيل : وليس قوله بمستقيم ; لأنه على أربعة أحرف وليس بمصغر ، إنما هو اسم أعجمي جاء على هيئة المصغر ، كسليمان جاء على هيئة عثمان وليس بمصغر . ومن زعم أن التنوين حذف من
عزير لالتقاء الساكنين كقراءة : (
قل هو الله أحد الله الصمد ) وقول الشاعر :
إذا غطيف السلمي فرا
أو لأن ابنا صفة
لعزير وقع بين علمين فحذف تنوينه ، والخبر محذوف ; أي : إلاهنا ومعبودنا . فقوله متمحل ; لأن الذي أنكر عليهم إنما هو نسبة البنوة إلى الله تعالى . ومعنى بأفواههم : أنه قول لا يعضده برهان ، فما هو إلا لفظ فارغ يفوهون به كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم لا تدل على معان ، وذلك أن القول الدال على معنى لفظة مقول بالفم ومعناه مؤثر في القلب ، وما لا معنى له يقال بالفم لا غير . وقيل : معنى بأفواههم إلزامهم المقالة والتأكيد ، كما قال : (
يكتبون الكتاب بأيديهم ) ، (
ولا طائر يطير بجناحيه ) ، ولا بد من حذف مضاف في قوله : يضاهون ; أي يضاهي قولهم . والذين كفروا قدماؤهم فهو كفر قديم فيهم أو المشركون القائلون : الملائكة بنات الله ، وهو قول
الضحاك . أو الضمير عائد على
النصارى ، والذين كفروا
اليهود ; أي : يضاهي قول
النصارى في دعواهم بنوة
عيسى قول
اليهود في دعواهم بنوة
عزير ،
واليهود أقدم من
النصارى ، وهو قول
قتادة . وقرأ
عاصم وابن مصرف : يضاهئون بالهمز ، وباقي السبعة بغير همز . (
قاتلهم الله أنى يؤفكون ) ; دعاء عليهم عام لأنواع الشر ، ومن قاتله الله فهو المقتول . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : معناه لعنهم الله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب :
قاتلها الله تلحاني وقد علمت أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
وقال
قتادة : قتلهم ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : عاداهم . وقال
النقاش : أصل ( قاتل ) الدعاء ، ثم كثر استعمالهم حتى قالوه على جهة التعجب في الخير والشر ، وهم لا يريدون الدعاء . وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي :
[ ص: 32 ] يا
قاتل الله ليلى كيف تعجبني وأخبر الناس أني لا أباليها
وليس من باب المفاعلة بل من باب طارقت النعل وعاقبت اللص . ( أنى يؤفكون ) : كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح الدليل على سبيل التعجب .