(
يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) : قال
مجاهد : أي يقضيه وحده . والتدبير تنزيل الأمور في مراتبها والنظر في أدبارها وعواقبها ، والأمر قيل : الخلق كله علويه وسفليه . وقيل : يبعث بالأمر ملائكة ،
فجبريل للوحي ،
وميكائيل للقطر ،
وعزرائيل للقبض ،
وإسرافيل للصور . وهذه الجملة بيان لعظيم شأنه وملكه . ولما ذكر الإيجاد ذكر ما يكون فيه من الأمور ، وأنه المنفرد به إيجادا وتدبيرا ، لا يشركه أحد في ذلك ، وأنه لا يجترئ أحد على الشفاعة عنده إلا بإذنه ، إذ هو - تعالى - أعلم بموضع الحكمة والصواب . وفي هذه دليل على عظم عزته وكبريائه كما قال : (
يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) الآية . ولما كان الخطاب عاما وكان الكفار يقولون عن أصنامهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ; رد ذلك تعالى عليهم ، وناسب ذكر الشفاعة التي تكون في القيامة بعد ذكر المبدأ ليجمع بين الطرفين : الابتداء
[ ص: 124 ] والانتهاء . وقال
أبو مسلم الأصبهاني : الشفيع هنا من الشفع الذي يخالف الوتر ، فمعنى الآية : أنه أوجد العالم وحده لا شريك يعينه ، ولم يحدث شيء في الوجود إلا من بعد أن قال له : كن . وقال
أبو البقاء : (
يدبر الأمر ) يجوز أن يكون مستأنفا وخبرا ثانيا وحالا .
(
ذلكم الله ربكم فاعبدوه ) : أي المتصف بالإيجاد والتدبير والكبرياء ، هو ربكم الناظر في مصالحكم ، فهو المستحق للعبادة ، إذ لا يصلح لأن يعبد إلا هو تعالى ، فلا تشركوا به بعض خلقه .
(
أفلا تذكرون ) : حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له .