(
إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ) والاختلاف تعاقب الليل والنهار ، وكون أحدهما يخلف الآخر . وما خلق الله في السماوات من الأجرام النيرة التي فيها ، والملائكة المقيمين بها ، وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى ، والأرض من الجوامد والمعادن والنبات والحيوان . وخص المتقين لأنهم الذين يخافون العواقب فيحملهم الخوف على تدبرهم ونظرهم .
(
إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) : الظاهر أن الرجاء هو التأميل والطمع ، أي : لا يؤملون لقاء ثوابنا وعقابنا . وقيل : معناه لا يخافون . قال
ابن زيد : وهذه الآية في الكفار ، والمعنى أن المكذب بالبعث ليس يرجو رحمة في الآخرة ، ولا يحسن ظنا بأنه يلقى الله . وفي الكلام محذوف ، أي : ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة كقوله : (
أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) والمعنى أن منتهى غرضهم وقصارى آمالهم إنما هو مقصور على ما يصلون إليه في الدنيا . واطمأنوا أي سكنوا إليها ، وقنعوا بها ، ورفضوا ما سواها . والظاهر أن قوله : ( والذين هم ) هو قسم من الكفار غير القسم الأول ، وذلك التكرير الموصول ، فيدل على المغايرة ، ويكون معطوفا على اسم " إن " ويكون " أولئك " إشارة إلى صنفي الكفار ذي الدنيا المتوسع فيها الناظر في الآيات ، فلم يؤثر عنده رجاء لقاء الله ، بل رضي بالحياة الدنيا لتكذيبه بالبعث والجزاء ، والعادم التوسع الغافل عن آيات الله الدالة على الهداية . ويحتمل أن يكون من عطف الصفات ، فيكون (
والذين هم عن آياتنا غافلون ) هم الذين لا يرجون لقاء الله . والظاهر أن (
واطمأنوا بها ) عطف على الصلة ، ويحتمل أن يكون واو الحال ، أي : وقد اطمأنوا بها . والآيات قيل : آيات القرآن . وقيل : العلامات الدالة على الوحدانية والقدرة . وقال
ابن زيد : ما أنزلناه من حلال وحرام وفرض من حدود وشرائع أحكام ، و ( بما كانوا يكسبون ) إشعار بأن الأعمال السابقة يكون عنها العذاب ، وفي ذلك رد على
الجبرية ، ونص على تعلق العقاب بالكسب . ومجيئه بالمضارع دليل على أنهم لم يزالوا مستمرين على ذلك ماضي زمانهم ومستقبله .