(
ولا المشركين ) ، معطوف على : (
من أهل الكتاب ) . ورأيت في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=11815لأبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه كلاما يرد فيه على الشيعة ومن قال بمقالتهم في أن مشروعية الرجلين في الوضوء هي المسح ، للعطف في قوله : (
وأرجلكم ) ، على قوله : (
برءوسكم ) ، خرج فيه
أبو إسحاق قوله : وأرجلكم بالجر ، على أنه من الخفض على الجوار ، وأن أصله النصب فخفض عطفا على الجوار . وأشار في ذلك الكتاب إلى أن القرآن ولسان العرب يشهدان بجواز ذلك ، وجعل منه قوله : ولا المشركين ، في هذه الآية ، وقوله : (
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) ، وأن الأصل هو الرفع ، أي ولا المشركون ، عطفا على الذين كفروا ، وهذا حديث من قصر في العربية وتطاول إلى الكلام فيها بغير معرفة ، وعدل عن حمل اللفظ على معناه الصحيح وتركيبه الفصيح . ودخلت لا في قوله : ولا المشركين للتأكيد ، ولو كان في غير القرآن لجاز حذفها . ولم تأت في قوله : (
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) لمعنى يذكر هناك ، إن شاء الله تعالى .
(
أن ينزل عليكم ) : في موضع المفعول بيود ، وبناؤه للمفعول ، وحذف الفاعل للعلم به ، وللتصريح به في قوله : (
من ربكم ) . ولو بني للفاعل لم يظهر في قوله : ( من ربكم ) .
( من خير ) ، من : زائدة ، والتقدير : خير من ربكم ، وحسن زيادتها هنا ، وإن كان ينزل لم يباشره حرف النفي ، فليس نظير : ما يكرم من رجل ، لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى ؛ لأنه إذا نفيت الودادة ، كان كأنه نفي متعلقها ، وهو الإنزال ، وله نظائر في لسان العرب ، من ذلك قوله تعالى : (
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر ) . فلما تقدم النفي حسن دخول الباء ، وكذلك قول العرب : ما ظننت أحدا يقول ذلك إلا
زيد ، بالرفع على البدل من الضمير المستكن في يقول ، وإن لم يباشره حرف النفي ؛ لأن المعنى : ما يقول ذلك أحد إلا
زيد فيما أظن . وهذا التخريج هو على قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والخليل . وأما على مذهب
الأخفش والكوفيين في هذا المكان ، فيجوز زيادتها ، لأنهم لا يشترطون انتفاء الحكم عما تدخل عليه ، بل يجيزون زيادتها في الواجب وغيره . ويزيد
الأخفش : أنه يجيز زيادتها في المعرفة . وذهب قوم إلى أن من للتبعيض ، ويكون على هذا المفعول الذي لم يسم فاعله هو عليكم ، ويكون المعنى : أن ينزل عليكم بخير من الخير من ربكم .
( من ربكم ) : من : لابتداء الغاية ، كما تقول : هذا الخير من زيد . ويجوز أن تكون للتبعيض . المعنى من خير كائن من خيور ربكم ، فإذا كانت لابتداء الغاية تعلقت بقوله : " ينزل " ، وإذا كانت للتبعيض تعلقت بمحذوف ، وكان ذلك على حذف مضاف ، كما قدرناه . والخير هنا : القرآن ، أو الوحي ، إذ يجمع القرآن وغيره ، أو ما خص به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التعظيم ، أو الحكمة والقرآن والظفر ، أو النبوة والإسلام ، أو العلم والفقه والحكمة ، أو هنا عام في جميع أنواع الخير ، فهم يودون انتفاء ذلك عن المؤمنين ، سبعة أقوال ، أظهرها الآخر . وسبب عدم ودهم ذلك : أما في
اليهود ، فلكون النبوة كانت في بني
إسماعيل ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما
النصارى ، فلتكذيبهم في ادعائهم ألوهية
عيسى ، وأنه ابن الله ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما المشركون ، فلسب آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، ولحسدهم أن يكون رجل منهم يختص بالرسالة ، واتباع الناس له .