(
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ )
[ ص: 251 ] الرهط : قال
ابن عطية : جماعة الرجل ، وقيل : الرهط والراهط : اسم لما دون العشرة من الرجال ، ولا يقع الرهط والعصبة والنفر إلا على الرجال .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : من الثلاثة إلى العشرة . وقيل : إلى التسعة ، ويجمع على أرهط ، ويجمع أرهط على أراهط ، فهو جمع جمع . قال
الرماني : وأصل الرهط : الشد ، ومنه الرهيط : شدة الأكل ، والراهط : اسم لجحر اليربوع لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده .
الورد ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : هو ورود القوم الماء ، والورد : الإبل الواردة ، انتهى . فيكون مصدرا بمعنى : الورود ، واسم مفعول في المعنى كالطحن بمعنى : المطحون .
رفد الرجل يرفده رفدا ورفدا : أعطاه وأعانه ، من رفد الحائط : دعمه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : الرفد بالفتح : القدح ، والرفد بالكسر : ما في القدح من الشراب . وقال
الليث : أصل الرفد : العطاء والمعونة ، ومنه رفادة
قريش يقال رفده يرفده رفدا ورفدا بكسر الراء وفتحها ، ويقال بالكسر : الاسم ، وبالفتح : المصدر . التتبيب : التخسير ، تب : خسر ، وتبه : خسره . وقال
لبيد :
ولقد بليت وكل صاحب جدة يبلى بعود وذاكم التتبيب
الزفير والشهيق : زعم أهل اللغة من
الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار ، والشهيق بمنزلة آخر نهيقه . وقال
رؤبة :
حشرج في الصدر صهيلا وشهق حتى يقال ناهق وما نهق
وقال
ابن فارس : الشهيق ضد الزفير ، لأن الشهيق : رد النفس ، والزفير : إخراج النفس من شدة الجري ، مأخوذ من الزفر وهو : الحمل على الظهر لشدته . وقال
الشماخ :
بعيد مدى التطريب أول صوته زفير ويتلوه شهيق محشرج
والشهيق : النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي : طويل . وقال
الليث : الزفير : أن يملأ الرجل صدره حال كونه في الغم الشديد من النفس ويخرجه ، والشهيق : أن يخرج ذلك النفس بشدة ، يقال : إنه عظيم الزفرة .
الشقاء : نكد العيش وسوءه . يقال منه : شقى يشقى شقاء وشقوة وشقاوة ، والسعادة ضده ، يقال منه : سعد يسعد ، ويعديان بالهمزة فيقال : أشقاه الله ، وأسعده الله . وقد قرئ (
شقوا ) و (
سعدوا ) بضم الشين والسين ، فدل على أنهما قد يتعديان . ومنه قولهم : مسعود ، وذكر أن
الفراء حكى أن
هذيلا تقول : سعده الله بمعنى أسعده . وقال
الجوهري : سعد بالكسر فهو سعيد ، مثل سلم فهو سليم ، وسعد فهو مسعود .
وقال
أبو نصر عبد الرحيم القشيري : ورد سعده الله فهو مسعود ، وأسعده الله فهو مسعد .
الجذ : القطع بالمعجمة والمهملة . قال
ابن قتيبة : جذذت وجددت ، وهو بالذال أكثر . قال
النابغة :
تجذ السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب
(
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) :
[ ص: 252 ] كان قوم
شعيب عبدة أوثان ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده . وبالكفر استوجبوا العذاب ، ولم يعذب الله أمة عذاب استئصال إلا بالكفر ، وإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بخير ، أي : في رخص الأسعار .
وعذاب اليوم المحيط ، هو حلول الغلاء المهلك . وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374561ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق ونبه بقوله : ( بخير ) على العلة المقتضية للوفاء لا للنقص . وقال غيره : بثروة واسعة تغنيكم عن التطفيف ، أو بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون ، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه . (
يوم محيط ) أي : مهلك من قوله : (
وأحيط بثمره ) وأصله من إحاطة العدو ، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره . ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب به ، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث ، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه ، كما إذا أحاط بنعيمه .
ونهوا أولا : عن القبيح الذي كانوا يتعاطونه وهو نقص المكيال والميزان ، وفي التصريح بالنهي نعي على المنهي وتعيير له . وأمروا ثانيا : بإيفائهما مصرحا بلفظهما ترغيبا في الإيفاء وبعثا عليه . وجيء بالقسط ليكون الإيفاء على جهة العدل والتسوية وهو الواجب ، لأن ما جاوز العدل فضل وأمر مندوب إليه .
ونهوا ثالثا : عن نقص الناس أشياءهم ، وهو عام في الناس ، وفيما بأيديهم من الأشياء : كانت مما تكال وتوزن أو غير ذلك . ونهوا رابعا : عن الفساد في الأرض وهو أعم من أن يكون نقصا أو غيره ، فبدأهم أولا بالمعصية الشنيعة التي كانوا عليها بعد الأمر بعبادة الله ، ثم ارتقى إلى عام ، ثم إلى أعم منه وذلك مبالغة في النصح لهم ولطف في استدراجهم إلى طاعة الله .
وتفسير معاني هذه الجمل سبق في الأعراف . (
بقية الله ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد الإيفاء خير من البخس . وعنه : رزق الله . وقال
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج : طاعة الله . وقال
قتادة : حظكم من الله . وقال
ابن زيد : رحمة الله . وقال
قتادة : ذخيرة الله . وقال
الربيع : وصية الله . وقال
مقاتل : ثواب الله في الآخرة ، وذكر
الفراء : مراقبة الله . وقال
الحسن : فرائض الله . وقيل : ما أبقاه الله حلالا لكم ولم يحرمه عليكم .
قال
ابن عطية : وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية ، وإنما المعنى عندي : إبقاء الله عليكم إن أطعتم . وقوله : (
إن كنتم مؤمنين ) ، شرط في أن يكون البقية خيرا لهم ، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال . وجواب هذا الشرط متقدم . والحفيظ : المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب ، والمعنى : إنما أنا مبلغ ، والحفيظ : المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال ، انتهى .
وليس جواب الشرط متقدما كما ذكر ، وإنما الجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه على مذهب جمهور البصريين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان ، ويجوز أن يريد : ما يبقى لهم عند الله من الطاعات كقوله : (
والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ) وإضافة البقية إلى الله من حيث أنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه ، وأما الحرام فلا يجوز أن يضاف إلى الله ، ولا يسمى رزقا ، انتهى .
على طريق
المعتزلة في الرزق ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر عن
أهل المدينة : ( بقية ) بتخفيف الياء . قال
ابن عطية : هي لغة ، انتهى . وذلك أن قياس فعل اللازم أن يكون على وزن فعل نحو : سجيت المرأة فهي سجية ، فإذا شددت الياء كان على وزن فعيل للمبالغة . وقرأ
الحسن : تقية بالتاء ، وهي تقواه ومراقبته الصارفة عن المعاصي .