(
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) طول
[ ص: 295 ] المفسرون في تفسير هذين الهمين ، ونسب بعضهم
ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق ، والذي أختاره أن
يوسف - عليه السلام - لم يقع منه هم بها البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : لقد قارفت لولا أن عصمك الله ، ولا تقول : إن جواب لولا متقدم عليها وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك ، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها ، وقد ذهب إلى ذلك
الكوفيون ، ومن أعلام
البصريين nindex.php?page=showalam&ids=1282أبو زيد الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=15153وأبو العباس المبرد . بل نقول : إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كما تقول جمهور
البصريين في قول العرب : أنت ظالم إن فعلت ، فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم ، ولا يدل قوله : أنت ظالم على ثبوت الظلم ، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل ، وكذلك هنا التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فكان موجدا لهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان ، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم ، ولا التفات إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، ولو كان الكلام ولهم بها كان بعيدا فكيف مع سقوط اللام ؟ لأنه يوهم أن قوله : (
وهم بها ) هو جواب لولا ، ونحن لم نقل بذلك ، وإنما هو دليل الجواب ، وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب ، فاللام ليست بلازمة لجواز أن ما يأتي جواب " لولا " إذا كان بصيغة الماضي باللام ، وبغير لام تقول : لولا زيد لأكرمتك ، ولولا زيد أكرمتك ، فمن ذهب إلى أن قوله : (
وهم بها ) هو نفس الجواب لم يبعد ، ولا التفات لقول
ابن عطية إن قول من قال : إن الكلام قد تم في قوله : ولقد همت به ، وإن جواب " لولا " في قوله : (
وهم بها ) ، وأن المعنى لولا أن رأى البرهان لهم بها فلم يهم
يوسف - عليه السلام - ، قال : وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف ، انتهى .
أما قوله : يرده لسان العرب فليس كما ذكر ، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب قال الله تعالى : (
إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ) فقوله : (
إن كادت لتبدي به ) إما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل ، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب ، والتقدير : لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به ، وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا ، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين ، فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة ، والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب ؛ لأنهم قدروا جواب " لولا " محذوفا ، ولا يدل عليه دليل ؛ لأنهم لم يقدروا لهم بها ، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط ، لأن ما قبل الشرط دليل عليه ، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه ، وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره ، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة وبراءة
يوسف - عليه السلام - من كل ما يشين ، ومن أراد أن يقف على ما نقل عن المفسرين في هذه الآية فليطالع ذلك في تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وابن عطية وغيرهما .
والبرهان الذي رآه
يوسف هو ما آتاه الله تعالى من العلم الدال على تحريم ما حرمه الله ، والله لا يمكن الهم به فضلا عن الوقوع فيه (
كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الكاف منصوب المحل ؛ أي : مثل ذلك التثبيت ثبتناه ، أو مرفوعة ؛ أي : الأمر مثل ذلك . وقال
ابن عطية : والكاف من قوله : ( كذلك ) متعلقة بمضمر تقديره : جرت أفعالنا وأقدارنا كذلك لنصرف ، ويصح أن تكون الكاف في موضع رفع بتقدير عصمته ، كذلك لنصرف ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير تقديره : همت به وهم بها كذلك ، ثم قال : لولا أن رأى برهان ربه ، لنصرف عنه ما هم به ، انتهى . وقال
الحوفي : كذلك الكاف للتشبيه في موضع نصب ؛ أي : أريناه البراهين كذلك ، وقيل : في موضع رفع ؛ أي : أمر البراهين كذلك ، والنصب
[ ص: 296 ] أجود لمطالبة حروف الجر للأفعال أو معانيها ، وقال
أبو البقاء : ( كذلك ) في موضع رفع ؛ أي : الأمر كذلك . وقيل : في موضع نصب ؛ أي : نراعيه كذلك ، انتهى . وأقول : إن التقدير مثل تلك الرؤية ، أو مثل ذلك الرأي ، نري براهيننا لنصرف عنه ، فتجعل الإشارة إلى الرأي أو الرؤية ، والناصب للكاف ما دل عليه قوله : (
لولا أن رأى برهان ربه ) . و (
لنصرف ) متعلق بذلك الفعل الناصب للكاف ، ومصدر رأى : رؤية ورأي قال :
ورأي عيني الفتى أباكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : ( ليصرف ) بياء الغيبة عائدا على ربه ، وقرأ العربيان
وابن كثير : ( المخلصين ) إذا كان فيه إلى حيث وقع بكسر اللام ، وباقي السبعة بفتحها ، وفي صرف السوء والفحشاء عنه وكونه من المخلصين دليل على عصمته .
25 : 29