(
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
[ ص: 356 ] الضمير في ( قصصهم ) عائد على الرسل ، أو على
يوسف وأبويه وإخوته أو عليهم ، وعلى الرسل ثلاثة أقوال . الأول : اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قال : وينصره قراءة من قرأ ( قصصهم ) بكسر القاف ، انتهى . ولا ينصره إذ قصص
يوسف وأبيه وأخوته مشتمل على قصص كثيرة وأنباء مختلفة . والذي قرأ بكسر القاف هو
أحمد بن جبير الأنطاكي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي والقصبي ، عن
عبد الوارث ، عن
أبي عمر ، وجمع قصة . واختار
ابن عطية الثالث ، بل لم يذكره غيره . والعبرة الدلالة التي يعبر بها عن العلم . وإذا عاد الضمير على
يوسف - عليه السلام - وأبويه وإخوته ، فالاعتبار بقصصهم من وجوه إعزاز
يوسف - عليه السلام - بعد إلقائه في الجب ، وإعلاؤه بعد حبسه في السجن ، وتملكه
مصر بعد استعباده ، واجتماعه مع والديه وإخوته على ما أحب بعد الفرقة الطويلة ، والإخبار بهذا القصص إخبارا عن الغيب ، والإعلام بالله تعالى من العلم والقدرة والتصرف في الأشياء على ما لا يخطر على بال ولا يجول في فكر ، وإنما خص أولو الألباب لأنهم هم الذين ينتفعون بالعبر ، ومن له لب وأجاد النظر ، ورأى ما فيها من امتحان ولطف وإحسان ، علم أنه أمر من الله تعالى ومن عنده تعالى .
والظاهر أن اسم ( كان ) مضمر يعود على القصص ؛ أي : ما كان القصص حديثا مختلفا ، بل هو حديث صدق ناطق بالحق جاء به من لم يقرأ الكتب ، ولا تتلمذ لأحد ، ولا خالط العلماء ، فمحال أن يفتري هذه القصة بحيث تطابق ما ورد في التوراة من غير تفاوت . وقيل : يعود على القرآن أي : ما كان القرآن الذي تضمن قصص
يوسف - عليه السلام - وغيره حديثا يختلق ، ولكن كان تصديق الكتب المتقدمة الإلهية ، وتفصيل كل شيء واقع
ليوسف مع أبويه وإخوته . إن كان الضمير عائدا على قصص
يوسف ، أو كل شيء مما يحتاج إلى تفصيله في الشريعة إن عاد على القرآن .
وقرأ
حمران بن أعين ،
وعيسى الكوفي فيما ذكر صاحب اللوامح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16748وعيسى الثقفي فيما ذكر
ابن عطية : تصديق وتفصيل وهدى ورحمة برفع الأربعة ؛ أي : ولكن هو تصديق ، والجمهور بالنصب على إضمار كان أي : (
ولكن تصديق ) أي : كان هو ؛ أي : الحديث ذا تصديق الذي بين يديه . وينشد قول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
وما كان مالي من تراب ورثته ولا دية كانت ولا كسب مأثم ولكن عطاء الله من كل رحلة
إلى كل محجوب السوارق خضرم
بالرفع في " عطاء " ونصبه أي : ولكن هو عطاء الله ، أو ولكن كان عطاء الله . ومثله قول
لوط بن عبيد العائي اللص :
وإني بحمد الله لا مال مسلم أخذت ولا معطي اليمين محالف
ولكن عطاء الله من مال فاجر قصي المحل معور للمقارف
( وهدى ) أي : سبب هداية في الدنيا ، ( ورحمة ) أي : سبب لحصول الرحمة في الآخرة . وخص المؤمنون بذلك لأنهم هم الذين ينتفعون بذلك كما قال تعالى : (
هدى للمتقين ) وتقدم أول السورة قوله تعالى : (
إنا أنزلناه قرآنا عربيا ) وقوله تعالى : (
نحن نقص عليك أحسن القصص ) وفي آخرها : (
ما كان حديثا يفترى ) إلى آخره ، فلذلك احتمل أن يعود الضمير على القرآن ، وأن يعود على القصص ، والله تعالى أعلم .