(
لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) : هذا الجزاء مناسب لما صدر منهم . أما الخزي في الدنيا فهو الهوان والإذلال ، وهو مناسب للوصف الأول ؛ لأن فيه إخمال المساجد بعدم ذكر الله وتعطيلها من ذلك ، فجوزوا على ذلك بالإذلال والهوان . وأما العذاب العظيم في الآخرة ، فهو العذاب بالنار ، وهو إتلاف لهياكلهم وصورهم ، وتخريب لها بعد تخريب (
نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) . وهو مناسب للوصف الثاني ، وهو سعيهم في تخريب المساجد ، فجوزوا على ذلك بتخريب صورهم وتمزيقها بالعذاب . ولما كان الخزي الذي يلحقهم في الدنيا لا يتفاوتون فيه حكما ، سواء فسرته بقتل أو سبي للحربي ، أو جزية للذمي ، لم يحتج إلى وصف . ولما كان العذاب متفاوتا - أعني عذاب الكافر وعذاب المؤمن - وصف عذاب الكافر بالعظم ليتميز من عذاب المؤمن . وقيل : الخزي هو الفتح الإسلامي ،
كالقسطنطينية وعمورية ورومية ، وقيل : جزية الذمي ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقيل : طردهم عن
المسجد الحرام ، وقيل : قتل
المهدي إياهم إذا خرج ، قاله
المروزي ، وقيل : منعهم من المساجد . قال بعض معاصرينا : إن على كل طائفة من الكفار في الدنيا خزيا . أما
اليهود والنصارى ، فقتل
قريظة ، وإجلاء
بني النضير ، وقتل
النصارى وفتح حصونهم وبلادهم ، وإجراء الجزية عليهم ، والسيما التي التزموها ، وما شرطه عمر عليهم . وأما مشركو العرب ، فقتل أبطالهم وأقيالهم ، وكسر أصنامهم ، وتسفيه أحلامهم ، وإخراجهم من جزيرة العرب التي هي دار قرارهم ومسقط رءوسهم ، وإلزامهم خطة الهلاك من القتل إلا أن يسلموا . وقال
[ ص: 360 ] الفراء : معناه في آخر الدنيا ، وهو ما وعد الله به المسلمين من فتح الروم ، ولم يكن بعد . قال
القشيري : في قوله تعالى : ( ومن أظلم ) الآية ، إشارة إلى ظلم من خرب أوطان المعرفة بالمنى والعلاقات ، وهي قلوب العارفين وأوطان العبادة بالشهوات ، وهي نفوس العباد ، وأوطان المحبة بالحظوظ والمساكنات ، وهي أرواح الواجدين ، وأوطان المشاهدات بالالتفات إلى القربات ، وهي أسرار الموحدين .
(
لهم في الدنيا خزي ) : ذل الحجاب ، وفي الآخرة عذاب لاقتناعهم بالدرجات . انتهى ، وبعضه ملخص . وهذا تفسير عجيب ينبو عنه لفظ القرآن ، وكذا أكثر ما يقوله هؤلاء القوم .