صفحة جزء
[ ص: 23 ] وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحوراانظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ) .

( أف ) اسم فعل بمعنى أتضجر ، ولم يأت اسم فعل بمعنى المضارع إلا قليلا نحو : أف وأوه بمعنى أتوجع ، وكان قياسه أن لا يبنى ; لأنه لم يقع موقع المبني . وذكر الزناتي في كتاب الحلل له : إن في أف لغات تقارب الأربعين ، ونحن نسردها مضبوطة كما رأيناها وهي : أف أف أف أف أف أف أفا أف أف أفا أف أف أف أفء أفى بغير إمالة أفي بالإمالة المحضة أفي بالإمالة بين بين أفي أفو أفه أفه أفه ، فهذا اثنان وعشرون مع الهمزة المضمومة إف إف إف إف إف إفا إف إف إفا إفي بالإمالة إفى ، فهذه إحدى عشرة مع الهمزة المكسورة أف أف آف آف آفى . وذكر ابن عطية أفاه بهاء السكت ، وهي تمام الأربعين . النهر : الزجر بصياح وإغلاظ . قال العسكري : وأصله الظهور ، ومنه النهر والانتهار ، وأنهر الدم أظهره وأساله ، وانتهر الرجل أظهر له الإهانة بقبح الزجر والطرد . وقال ابن عطية : الانتهار إظهار الغضب في الصوت واللفظ . وقال الزمخشري : النهي والنهر والنهم أخوات . التبذير الإسراف قاله أبو عبيدة يعني في النفقة ، وأصله التفريق ، ومنه سمي البذر بذرا ; لأنه يفرق في المزرعة . وقال الشاعر :


ترائب يستضيء الحلي فيها كجمر النار بذر بالظلام



[ ص: 24 ] ويروى بدد أي : فرق . المحسور قال الفراء : تقول العرب : بعير محسور إذا انقطع سيره ، وحسرت الدابة حتى انقطع سيرها ، ويقال : حسير فعيل بمعنى مفعول ، ويجمع على حسرى . قال الشاعر :


بها جيف الحسرى فأما عظامها     فبيض وأما جلدها فصليب



القسطاس بضم القاف وكسرها وبالسين الأولى والصاد . قال مؤرج السدوسي : هي الميزان بلغة الروم ، وتأتي أقوال المفسرين فيه . المرح شدة الفرح ، يقال : مرح يمرح مرحا . الطول ضد القصر ، ومنه الطول خلاف العرض . الحجاب : ما ستر الشيء عن الوصول إليه . الرفات : قال الفراء : التراب . وقيل : الذي بولغ في دقه حتى تفتت ، ويقال : رفت الشيء كسره يرفته بالكسر ، والرفات : الأجزاء المتفتتة من كل شيء مكسر ، وفعال بناء لهذا المعنى كالحطام والفتات والرضاض والدقاق .

( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ) .

[ ص: 25 ] قرأ الجمهور ( وقضى ) فعلا ماضيا من القضاء . وقرأ بعض ولد معاذ بن جبل : وقضاء ربك . مصدر ( قضى ) مرفوعا على الابتداء ، و ( أن لا تعبدوا ) الخبر . وفي مصحف ابن مسعود وأصحابه وابن عباس وابن جبير والنخعي وميمون بن مهران من التوصية . وقرأ بعضهم : وأوصى من الإيصاء ، وينبغي أن يحمل ذلك التفسير ; لأنها قراءة مخالفة لسواد المصحف ، والمتواتر هو ( وقضى ) وهو المستفيض عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في أسانيد القراء السبعة . ( وقضى ) هنا قال ابن عباس والحسن وقتادة : بمعنى أمر . وقال ابن مسعود وأصحابه : بمعنى وصى . وقيل : أوجب وألزم وحكم . وقيل : بمعنى أحكم . وقال ابن عطية : وأقول : إن المعنى ( وقضى ربك ) أمره ( أن لا تعبدوا إلا إياه ) وليس في هذه الألفاظ إلا أمر بالاقتصار على عبادة الله ، فذلك هو المقضي لا نفس العبادة ، والمقضي هنا هو الأمر . انتهى . كأنه رام أن يترك قضى على مشهور موضوعها بمعنى قدر ، فجعل متعلقه الأمر بالعبادة لا العبادة ; لأنه لا يستقيم أن يقضي شيئا بمعنى أن يقدر إلا ويقع ، والذي فهم المفسرون غيره أن متعلق قضى هو ( أن لا تعبدوا ) وسواء كانت ( أن ) تفسيرية أم مصدرية . وقال أبو البقاء : ويجوز أن تكون في موضع نصب أي : ألزم ربك عبادته و ( لا ) زائدة . انتهى . وهذا وهم لدخول ( إلا ) على مفعول ( تعبدوا ) فلزم أن يكون منفيا أو منهيا ، والخطاب بقوله : ( لا تعبدوا ) عام للخلق . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون ( قضى ) على مشهورها في الكلام ، ويكون الضمير في ( تعبدوا ) للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة . انتهى .

قال الحوفي : الباء متعلقة بقضى ، ويجوز أن تكون متعلقة بفعل محذوف ، تقديره وأوصى ( بالوالدين إحسانا ) و ( إحسانا ) مصدر أي : تحسنوا إحسانا . وقال ابن عطية : قوله ( وبالوالدين إحسانا ) عطف على أن الأولى أي : أمر الله ( أن لا تعبدوا إلا إياه ) وأن تحسنوا ( بالوالدين إحسانا ) وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرناه يكون قوله : ( وبالوالدين إحسانا ) مقطوعا من الأول كأنه أخبرهم بقضاء الله ، ثم أمرهم بالإحسان إلى الوالدين . وقال الزمخشري : لا يجوز أن تتعلق الباء في ( بالوالدين ) بالإحسان ; لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته . وقال الواحدي في البسيط : الباء في قوله ( بالوالدين ) من صلة الإحسان ، وقدمت عليه كما تقول : بزيد فامرر . . انتهى . وأحسن وأساء يتعدى بإلى وبالباء قال تعالى : ( وقد أحسن بي ) وقال الشاعر :


أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

وكأنه تضمن أحسن معنى لطف ، فعدي بالباء و ( إحسانا ) إن كان مصدرا ينحل لأن والفعل ، فلا يجوز تقديم متعلقه به ، وإن كان بمعنى أحسنوا فيكون بدلا من اللفظ بالفعل نحو ضربا زيدا ، فيجوز تقديم معموله عليه ، والذي نختاره أن تكون ( أن ) حرف تفسير ، و ( لا تعبدوا ) نهي ، و ( إحسانا ) مصدر بمعنى الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما عطف في :


يقولون لا تهلك أسى وتجمل

وقد اعتنى بالأمر بالإحسان إلى الوالدين حيث قرن بقوله : ( لا تعبدوا ) [ ص: 26 ] وتقديمهما اعتناء بهما على قوله : ( إحسانا ) ومناسبة اقتران بر الوالدين بإفراد الله بالعبادة من حيث إنه تعالى هو الموجد حقيقة ، والوالدان وساطة في إنشائه ، وهو تعالى المنعم بإيجاده ورزقه ، وهما ساعيان في مصالحه . وقال الزمخشري : ( إما ) هي الشرطية زيدت عليها ما توكيدا لها ، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ، ولو أفردت لم يصح دخولها ، لا تقول : إن تكرمن زيدا يكرمك ، ولكن إما تكرمنه . انتهى . وهذا الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه ; لأن مذهبه أنه يجوز أن يجمع بين إما ونون التوكيد ، وأن يأتي بأن وحدها ونون التوكيد ، وأن يأتي بإما وحدها دون نون التوكيد . وقال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون ، كما أنك إن شئت لم تجئ بما يعنى مع النون وعدمها ، وعندك ظرف معمول ليبلغن ، ومعنى العندية هنا أنهما يكونان عنده في بيته وفي كنفه ، لا كافل لهما غيره ; لكبرهما وعجزهما ، ولكونهما كلا عليه ، وأحدهما فاعل ( يبلغن ) و ( أو كلاهما ) معطوف على ( أحدهما ) .

وقرأ الجمهور ( يبلغن ) بنون التوكيد الشديدة ، والفعل مسند إلى ( أحدهما ) . وروي عن ابن ذكوان بالنون الخفيفة . وقرأ الأخوان : إما يبلغان بألف التثنية ونون التوكيد المشددة ، وهي قراءة السلمي وابن وثاب وطلحة والأعمش والجحدري . فقيل : الألف علامة تثنية لا ضمير على لغة : أكلوني البراغيث ، وأحدهما فاعل و ( أو كلاهما ) عطف عليه ، وهذا لا يجوز ; لأن شرط الفاعل في الفعل الذي لحقته علامة التثنية أن يكون مسندا لمثنى أو معرفا بالعطف بالواو ، ونحو : قاما أخواك أو قاما زيد وعمرو على خلاف في هذا الأخير هل يجوز أو لا يجوز ؟ والصحيح جوازه ، و ( أحدهما ) ليس مثنى ولا هو معرف بالعطف بالواو مع مفرد . وقيل : الألف ضمير الوالدين و ( أحدهما ) بدل من الضمير و ( كلاهما ) عطف على ( أحدهما ) والمعطوف على البدل بدل . وقال الزمخشري . فإن قلت : لو قيل : إما يبلغان ( كلاهما ) كان ( كلاهما ) توكيدا لا بدلا ، فما لك زعمت أنه بدل ؟ قلت : لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا فانتظم في حكمه فوجب أن يكون مثله . فإن قلت : ما ضرك لو جعلته توكيدا مع كون المعطوف عليه بدلا وعطفت التوكيد على البدل ؟ قلت : لو أريد توكيد التثنية لقيل : ( كلاهما ) فحسب ، فلما قيل : ( أحدهما أو كلاهما ) علم أن التوكيد غير مراد فكان بدلا مثل الأول . وقال ابن عطية : وعلى هذه القراءة الثالثة - يعني يبلغان - يكون قوله : ( أحدهما ) بدلا من الضمير في يبلغان وهو بدل مقسم كقول الشاعر :


وكنت كذي رجلين رجل صحيحة     وأخرى رمى فيها الزمان فشلت



انتهى . ويلزم من قوله أن يكون ( كلاهما ) معطوفا على ( أحدهما ) وهو بدل ، والمعطوف على البدل بدل ، والبدل مشكل ; لأنه يلزم منه أن يكون المعطوف عليه بدلا ، وإذا جعلت ( أحدهما ) بدلا من الضمير ، فلا يكون إلا بدل بعض من كل ، وإذا عطفت عليه ( كلاهما ) فلا جائز أن يكون بدل بعض من كل ، لأن ( كلاهما ) [ ص: 27 ] مرادف للضمير من حيث التثنية ، فلا يكون بدل بعض من كل ، ولا جائز أن يكون بدل كل من كل ; لأن المستفاد من الضمير التثنية وهو المستفاد من ( كلاهما ) فلم يفد البدل زيادة على المبدل منه . وأما قول ابن عطية وهو بدل مقسم كقول الشاعر :


وكنت كذي رجلين

، البيت فليس من بدل التقسيم ; لأن شرط ذلك العطف بالواو ، وأيضا فالبدل المقسم لا يصدق المبدل فيه على أحد قسميه ، و ( كلاهما ) يصدق عليه الضمير وهو المبدل منه ، فليس من المقسم . ونقل عن أبي علي أن ( كلاهما ) توكيد وهذا لا يتم إلا بأن يعرب ( أحدهما ) بدل بعض من كل ، ويضمر بعده فعل رافع للضمير ، ويكون ( كلاهما ) توكيدا لذلك الضمير ، والتقدير أو يبلغا ( كلاهما ) وفيه حذف المؤكد . وقد أجازه سيبويه والخليل قال : مررت بزيد وإياي أخوه أنفسهما بالرفع والنصب ، الرفع على تقديرهما : صاحباي أنفسهما ، والنصب على تقدير أعينهما أنفسهما ، إلا أن المنقول عن أبي علي وابن جني والأخفش قبلهما أنه لا يجوز حذف المؤكد وإقامة المؤكد مقامه ، والذي نختاره أن يكون ( أحدهما ) بدلا من الضمير ، و ( كلاهما ) مرفوع بفعل محذوف تقديره : أو يبلغ ( كلاهما ) فيكون من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، وصار المعنى : أن يبلغ أحد الوالدين أو يبلغ ( كلاهما ) ( عندك الكبر ) . وجواب الشرط ( فلا تقل لهما أف ) وتقدم مدلول لفظ أف في المفردات واللغات التي فيها ، وإذا كان قد نهى أن يستقبلهما بهذه اللفظة الدالة على الضجر والتبرم بهما فالنهي عما هو أشد كالشتم والضرب هو بجهة الأولى ، وليست دلالة أف على أنواع الإيذاء دلالة لفظية خلافا لمن ذهب إلى ذلك .

وقال ابن عباس : ( أف ) كلمة كراهة بالغ تعالى في الوصية بالوالدين ، واستعمال وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال حتى لا نقول لهما عند الضجر هذه الكلمة فضلا عما يزيد عليها . قال القرطبي : قال علماؤنا : وإنما صار قول ( أف ) للوالدين أردأ شيء ; لأنه رفضهما رفض كفر النعمة ، وجحد التربية ، ورد وصية الله . و ( أف ) كلمة منقولة لكل شيء مرفوض ، ولذلك قال إبراهيم - عليه السلام : ( أف لكم ولما تعبدون من دون الله ) أي : رفض لكم ولهذه الأصنام معكم . انتهى . وقرأ الحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى ونافع وحفص ( أف ) بالكسر والتشديد مع التنوين ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر كذلك بغير تنوين ، وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتحها مشددة من غير تنوين . وحكى هارون قراءة بالرفع والتنوين ، وقرأ أبو السمال " أف " بضم الفاء من غير تنوين ، وقرأ زيد بن علي " أفا " بالنصب والتشديد والتنوين ، وقرأ ابن عباس ( أف ) خفيفة فهذه سبع قراءات من اللغات التي حكيت في ( أف ) .

وقال مجاهد : إن معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخوخة الغائط والبول اللذين رأيا منك في حال الصغر فلا تقذرهما وتقول ( أف ) . انتهى . والآية أعم من ذلك . ولما نهاه تعالى أن يقول لهما ما مدلوله أتضجر منكما ارتقى إلى النهي عما هو من حيث الوضع أشد من ( أف ) وهو نهرهما ، وإن كان النهي عن نهرهما يدل عليه النهي عن قول ( أف ) لأنه إذا نهي عن الأدنى كان ذلك نهيا عن الأعلى بجهة الأولى ، والمعنى : ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك ( وقل لهما ) بدل قول أف ونهرهما ( قولا كريما ) أي : جامعا للمحاسن من البر وجودة اللفظ . قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ . وقيل : ( قولا كريما ) أي : جميلا كما يقتضيه حسن الأدب . وقال عمر : أن تقول : يا أبتاه يا أماه . انتهى . كما خاطب إبراهيم لأبيه يا أبت مع كفره ، ولا تدعوهما بأسمائهما ; لأنه من الجفاء وسوء الأدب ولا بأس به في غير وجهه ، كما قالت عائشة : نحلني أبو بكر كذا . ولما نهاه تعالى عن القول المؤذي وكان لا يستلزم ذلك الأمر بالقول الطيب أمره تعالى بأن يقول لهما القول الطيب السار الحسن ، وأن يكون قوله دالا على التعظيم لهما والتبجيل .

وقال عطاء : تتكلم معهما بشرط أن لا ترفع إليهما [ ص: 28 ] بصرك ولا تشد إليهما نظرك ; لأن ذلك ينافي القول الكريم . وقال الزجاج : قولا سهلا سلسا لا شراسة فيه ، ثم أمره تعالى بالمبالغة في التواضع معهما بقوله : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) . وقال القفال : في تقريره وجهان : أحدهما : أن الطائر إذا ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه ، فخفض الجناح كناية عن حسن التدبير ، وكأنه قيل للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك ، كما فعلا ذلك بك حال صغرك . الثاني : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه فصار خفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه . وقال ابن عطية : استعارة أي : اقطعهما جانب الذل منك ودمث لهما نفسك وخلقك ، وبولغ بذكر الذل هنا ولم يذكر في قوله : ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) وذلك بسبب عظم الحق . انتهى . وبسبب شرف المأمور ، فإنه لا يناسب نسبة الذل إليه .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى ( جناح الذل ) قلت : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون المعنى واخفض لهما جناحك ، كما قال : ( واخفض جناحك للمؤمنين ) فأضافه إلى الذل أو الذل ، كما أضيف حاتم إلى الجود على معنى واخفض لهما جناحك الذليل أو الذلول . والثاني : أن يجعل لذله أو لذله جناحا خفيضا كما جعل لبيد للشمال يدا ، وللقرة زمانا مبالغة في التذلل والتواضع لهما . انتهى . والمعنى أنه جعل اللين ذلا واستعار له جناحا ، ثم رشح هذا المجاز بأن أمر بخفضه . وحكي أن أبا تمام لما نظم قوله :


لا تسقني ماء الملام فإنني     صب قد استعذبت ماء بكائيا



جاءه رجل بقصعة ، وقال له : أعطني شيئا من ماء الملام ، فقال له : حتى تأتيني بريشة من جناح الذل . وجناحا الإنسان جانباه ، فالمعنى : واخفض لهما جانبك ولا ترفعه فعل المتكبر عليهما . وقال بعض المتأخرين فأحسن :


أراشوا جناحي ثم بلوه بالندى     فلم أستطع من أرضهم طيرانا



وقرأ الجمهور ( من الذل ) بضم الذال . وقرأ ابن عباس وعروة بن جبير والجحدري وابن وثاب بكسر الذال ، وذلك على الاستعارة في الناس ; لأن ذلك يستعمل في الدواب في ضد الصعوبة ، كما أن الذل بالضم في ضد الغير من الناس ، ومن الظاهر أنها للسبب أي : الحامل لك على خفض الجناح هو رحمتك لهما إذ صارا مفتقرين لك حالة الكبر ، كما كنت مفتقرا إليهما حالة الصغر . قال أبو البقاء : ( من الرحمة ) أي : من أجل الرحمة ، أي : من أجل رفقك بهما فمن متعلقة بـ اخفض ، ويجوز أن يكون حالا من جناح . وقال ابن عطية : من الرحمة هنا لبيان الجنس أي : إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس ، لا بأن يكون ذلك استعمالا ، ويصح أن يكون ذلك لابتداء الغاية . انتهى . ثم أمره تعالى بأن يدعو الله بأن يرحمهما رحمته الباقية إذ رحمته عليهما لا بقاء لها . ثم نبه على العلة الموجبة للإحسان إليهما والبر بهما واسترحام الله لهما ، وهي تربيتهما له صغيرا ، وتلك الحالة مما تزيده إشفاقا ورحمة لهما إذ هي تذكير لحالة إحسانهما إليه وقت أن لا يقدر على الإحسان لنفسه . وقال قتادة : نسخ الله من هذه الآية هذا اللفظ يعني ( وقل رب ارحمهما ) بقوله تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) وقيل : هي مخصوصة في حق المشركين . وقيل : لا نسخ ولا تخصيص ; لأن له أن يدعو الله لوالديه الكافرين بالهداية والإرشاد ، وأن يطلب الرحمة لهما بعد حصول الإيمان ، والظاهر أن الكاف في ( كما ) للتعليل أي رب ارحمهما لتربيتهما لي ، وجزاء على إحسانهما إلي حالة الصغر والافتقار . وقال الحوفي : الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، تقديره : رحمة مثل تربيتي صغيرا .

وقال أبو [ ص: 29 ] البقاء : ( كما ) نعت لمصدر محذوف أي : رحمة مثل رحمتهما . وسرد الزمخشري وغيره أحاديث وآثارا كثيرة في بر الوالدين يوقف عليها في كتبهم . ولما نهى تعالى عن عبادة غيره وأمر بالإحسان إلى الوالدين ولا سيما عند الكبر ، وكان الإنسان ربما تظاهر بعبادة وإحسان إلى والديه دون عقد ضمير على ذلك رياء وسمعة ، أخبر تعالى أنه أعلم بما انطوت عليه الضمائر من دون قصد عبادة الله والبر بالوالدين ثم قال : ( إن تكونوا صالحين ) أي : ذوي صلاح ثم فرط منكم تقصير في عبادة أو بر ، وأبتم إلى الخير ، فإنه غفور لما فرط من هناتكم ، والظاهر أن هذا عام لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها ، ويندرج فيه من جنى على أبويه ثم تاب من جنايته . وقال ابن جبير : هي في المبارزة تكون من الرجل إلى أبيه لا يريد بذلك إلا الخير .

( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) .

لما أمر تعالى ببر الوالدين أمر بصلة القرابة . قال الحسن : نزلت في قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم ، والظاهر أنه خطاب لمن خوطب بقوله ( إما يبلغن عندك الكبر ) وألحق هنا ما يتعين له من صلة الرحم ، وسد الخلة ، والمواساة عند الحاجة [ ص: 30 ] بالمال والمعونة بكل وجه . قال نحوه ابن عباس وعكرمة والحسن وغيرهما . وقال علي بن الحسين فيها : هم قرابة الرسول - عليه السلام ، أمر بإعطائهم حقوقهم من بيت المال ، والظاهر أن الحق هنا مجمل ، وأن ( ذا القربى ) عام في ذي القرابة ، فيرجع في تعيين الحق ، وفي تخصيص ذي القرابة إلى السنة . وعن أبي حنيفة : إن القرابة إذا كانوا محارم فقراء عاجزين عن التكسب وهو موسر ، حقهم أن ينفق عليهم . وعند الشافعي : ينفق على الولد والوالدين فحسب على ما تقرر في كتب الفقه . ونهى تعالى عن التبذير وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها ، وتبذر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها ، فنهى الله تعالى عن النفقة في غير وجوه البر وما يقرب منه تعالى . وعن ابن مسعود وابن عباس : التبذير إنفاق المال في غير حق . وقال مجاهد : لو أنفق ماله كله في حق ما كان مبذرا . وذكر الماوردي أنه الإسراف المتلف للمال ، وقد احتج بهذه الآية على الحجر على المبذر ، فيجب على الإمام منعه منه بالحجر والحيلولة بينه وبين ماله إلا بمقدار نفقة مثله ، وأبو حنيفة لا يرى الحجر للتبذير وإن كان منهيا عنه .

وقال القرطبي : يحجر عليه إن بذله في الشهوات وخيف عليه النفاد ، فإن أنفق وحفظ الأصل فليس بمبذر ، وأخوة الشياطين كونهم قرناءهم في الدنيا وفي النار في الآخرة ، وتدل هذه الأخوة على أن التبذير هو في معصية الله أو كونهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف في الدنيا . وقرأ الحسن والضحاك " إخوان الشيطان " على الإفراد ، وكذا ثبت في مصحف أنس ، وذكر كفر الشيطان لربه ليحذر ولا يطاع ; لأنه لا يدعو إلى خير كما قال : إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير . ( وإما تعرضن ) . قيل : نزلت في ناس من مزينة استحملوا الرسول فقال : " لا أجد ما أحملكم عليه " . فبكوا . وقيل : في بلال وصهيب وسالم وخباب سألوه ما لا يجد فأعرض عنهم . وروي أنه - عليه السلام - كان بعد نزول هذه الآية إذا لم يكن عنده ما يعطي وسئل قال : " يرزقنا الله وإياكم من فضله " فالرحمة على هذا الرزق المنتظر وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة . وقال ابن زيد : الرحمة : الأجر والثواب ، وإنما نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأبى أن يعطيهم ; لأنه كان يعلم منهم نفقة المال في فساد ، فكان يعرض عنهم وعنه في الأجر في منعهم ; لئلا يعينهم على فسادهم ، فأمره الله تعالى أن يقول لهم : ( قولا ميسورا ) يتضمن الدعاء في الفتح لهم والإصلاح . انتهى من كلام ابن عطية .

وقال الزمخشري : وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد ( فقل لهم قولا ميسورا ) ولا تتركهم غير مجابين إذا سألوك ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سئل شيئا وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء ، ويجوز أن يكون معنى ( وإما تعرضن عنهم ) وإن لم تنفعهم وترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة ، ولا يريد الإعراض بالوجه كناية بالإعراض عن ذلك ; لأن من أبى أن يعطي أعرض بوجهه . انتهى . والذي يظهر أنه تعالى لما أمر بإيتاء ذي القربى حقه ومن ذكر معه ونهاه عن التبذير ، قال : وإن لم يكن منك إعراض عنهم فالضمير عائد عليهم ، وعلل الإعراض بطلب الرحمة ، وهي كناية عن الرزق والتوسعة ، وطلب ذلك ناشئ عن فقدان ما يجود به ويؤتيه من سأله ، وكأن المعنى : وإن تعرض عنهم لإعسارك فوضع المسبب ، وهو ابتغاء الرحمة موضع السبب وهو الإعسار . وأجاز الزمخشري أن يكون ( ابتغاء رحمة من ربك ) علة لجواب الشرط فهو يتعلق به ، وقدم عليه ، أي : فقل لهم قولا سهلا لينا ، وعدهم وعدا جميلا ; رحمة لهم وتطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك ، أي : ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم . انتهى . وما أجازه لا يجوز ; لأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبله لا يجوز في قولك : إن يقم فاضرب خالدا أن تقول : إن [ ص: 31 ] يقم خالدا فاضرب ، وهذا منصوص عليه ، فإن حذفت الفاء في مثل : إن يقم يضرب خالدا فمذهب سيبويه والكسائي الجواز ، فتقول : إن يقم خالدا نضرب ، ومذهب الفراء المنع ، فإن كان معمول الفعل مرفوعا نحو : إن تفعل يفعل زيد ، فلا يجوز تقديم زيد على أن يكون مرفوعا بـ ( يفعل ) ، هذا وأجاز سيبويه أن يكون مرفوعا بفعل يفسره يفعل كأنك قلت : إن تفعل يفعل زيد يفعل ، ومنع ذلك الكسائي والفراء . وقال ابن جبير : الضمير في ( عنهم ) عائد على المشركين ، والمعنى ( وإما تعرضن عنهم ) لتكذيبهم إياك ابتغاء رحمة أي : نصر لك عليهم أو هداية من الله لهم ، وعلى هذا القول الميسور : المداراة لهم باللسان قاله أبو سليمان الدمشقي ، ويسر يكون لازما ومتعديا ، فميسور من المتعدي ، تقول : يسرت لك كذا إذا أعددته . قال الزمخشري : يقال : يسر الأمر وعسر مثل سعد ونحس ، فهو مفعول . انتهى . ولمعنى هذه الآية أشار الشاعر في القصيدة التي تسمى باليتيمة في قوله :


ليكن لديك لسائل فرج     إن لم يكن فليحسن الرد



وقال آخر


إن لم يكن ورق يوما أجود به     للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي     إما نوالي وإما حسن مردودي



( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) الآية . قيل : نزلت في إعطائه - صلى الله عليه وسلم - قميصه ولم يكن له غيره وبقي عريانا . وقيل : أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وعيينة مثل ذلك ، والعباس بن مرداس خمسين ثم كملها مائة فنزلت ، وهذه استعارة استعير فيها المحسوس للمعقول ، وذلك أن البخل معنى قائم بالإنسان يمنعه من التصرف في ماله فاستعير له الغل ، الذي هو ضم اليد إلى العنق فامتنع من تصرف يده وإجالتها حيث تريد ، وذكر اليد ; لأن بها الأخذ والإعطاء ، واستعير بسط اليد لإذهاب المال ، وذلك أن قبض اليد يحبس ما فيها ، وبسطها يذهب ما فيها ، وطابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى ; لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها ، وغلها أبلغ في القبض ، وقد طابق بينهما أبو تمام . فقال في المعتصم :


تعود بسط الكف حتى لو أنه     ثناها لقبض لم تجبه أنامله



وقال الزمخشري : هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والإقتار . انتهى . والظاهر أنه مراد بالخطاب أمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلا فهو - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدخر شيئا لغد ، وكذلك من كان واثقا بالله حق الوثوق كأبي بكر حين تصدق بجميع ماله . وقال ابن جريج وغيره : المعنى : لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق ( ولا تبسطها ) فيما نهيتك عنه . وروي عن قالون : " كل البصط " بالصاد فتقعد جواب للهيئتين باعتبار الحالين ، فالملوم راجع لقوله : ( ولا تجعل يدك ) . كما قال الشاعر :


إن البخيل ملوم حيث كان     ولكن الجواد على علاته هرم



والمحسور راجع لقوله ( ولا تبسطها ) وكأنه قيل : فتلام وتحسر ، ثم سلاه تعالى عما كان يلحقه من الإضافة بأن ذلك ليس بهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ، ولكن ; لأن بسط الرزق وتضييقه إنما ذلك بمشيئته وإرادته لما يعلم في ذلك من المصلحة لعباده ، أو يكون المعنى : القبض والبسط من مشيئة الله ، وأما أنتم فعليكم بالاقتصاد ، وختم ذلك بقوله ( خبيرا ) وهو العلم بخفيات الأمور و ( بصيرا ) أي : بمصالح عباده حيث [ ص: 32 ] يبسط لقوم ويضيق على قوم .

( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) .

لما بين تعالى أنه هو المتكفل بأرزاق العباد حيث قال : ( إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد ، وتقدم تفسير نظير هذه الآية ، والفرق بين ( خشية إملاق ) و من إملاق وبين قوله : ( نرزقهم ) و نرزقكم . وقرأ الأعمش وابن وثاب : " ولا تقتلوا " بالتضعيف . وقرئ " خشية " بكسر الخاء ، وقرأ الجمهور ( خطأ ) بكسر الخاء وسكون الطاء ، وقرأ ابن كثير بكسرها وفتح الطاء والمد ، وهي قراءة طلحة وشبل والأعمش ويحيى وخالد بن إلياس وقتادة والحسن والأعرج بخلاف عنهما . وقال النحاس : لا أعرف لهذه القراءة وجها ، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا . وقال الفارسي : هي مصدر من خاطأ يخاطئ وإن كنا لم نجد خاطأ ، ولكن وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ ، فدلنا عليه فمنه قول الشاعر :


تخاطأت النبل أخشاه     وأخر يومي فلم يعجل



وقول الآخر في كمأة


تخاطأه القناص حتى وجدته     وخرطومه في منقع الماء راسب



فكان هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل . وقرأ ابن ذكوان " خطأ " على وزن نبأ ، وقرأ الحسن " خطاء " بفتحهما والمد ، جعله اسم مصدر من أخطأ كالعطاء من أعطى ، قاله ابن جني . وقال أبو حاتم : هي غلط غير جائز ولا يعرف هذا في اللغة ، وعنه أيضا خطى كهوى خفف الهمزة فانقلبت ألفا وذهبت لالتقائهما . وقرأ أبو رجاء والزهري كذلك ، إلا أنهما كسرا الخاء فصار مثل ربا وكلاهما من خطئ في الدين ، وأخطأ في الرأي ، لكنه قد يقام كل واحد منهما مقام الآخر ، وجاء عن ابن عامر ( خطأ ) بالفتح والقصر مع إسكان الطاء وهو مصدر ثالث من خطئ بالكسر .

التالي السابق


الخدمات العلمية