(
قال إن سألتك عن شيء بعدها ) ، أي : بعد هذه القصة أو بعد هذه المسألة (
فلا تصاحبني ) ، أي : فأوقع الفراق بيني وبينك . وقرأ الجمهور (
فلا تصاحبني ) من باب المفاعلة . وقرأ
عيسى ويعقوب فلا تصحبني مضارع صحب
وعيسى أيضا بضم التاء وكسر الحاء مضارع أصحب ، ورواها
سهل عن
أبي عمرو ، أي : فلا تصحبني علمك . وقدره بعضهم فلا تصحبني إياك ، وبعضهم نفسك . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج بفتح التاء والباء وشد النون . ومعنى (
قد بلغت من لدني عذرا ) ، أي : قد اعتذرت إلي وبلغت إلى العذر . وقرأ الجمهور (
من لدني ) بإدغام نون لدن في نون الوقاية التي اتصلت بياء المتكلم . وقرأ
نافع وعاصم بتخفيف النون وهي نون لدن اتصلت بياء المتكلم وهو القياس ؛ لأن أصل الأسماء إذا أضيفت إلى ياء المتكلم لم تلحق نون الوقاية نحو غلامي وفرسي ، وأشم شعبة الضم في الدال ، وروي عن
عاصم سكون الدال . قال
ابن مجاهد : وهو غلط وكأنه يعني من جهة الرواية ، وأما من حيث اللغة فليست بغلط ؛ لأن من لغاتها لد بفتح اللام وسكون الدال . وقرأ
عيسى ( عذرا ) بضم الذال ورويت عن
أبي عمرو وعن
أبي عذري بكسر الراء مضافا إلى ياء المتكلم . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374677يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما " وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374678كان رسول الله إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال : " رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأى العجب " ولكنه قال (
فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) .
والقرية التي أتيا أهلها
إنطاكية أو
الأبلة أو
بجزيرة الأندلس وهي
الجزيرة الخضراء ، أو
برقة أو
أبو حوران بناحية
أذربيجان ، أو
ناصرة من أرض الروم أو قرية
بأرمينية أقوال مضطربة بحسب اختلافهم في أي ناحية من الأرض كانت قصة
موسى والله أعلم بحقيقة ذلك . وفي الحديث
أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم ، وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله تعالى . وتكرر لفظ ( أهل ) على سبيل التوكيد ، وقد يظهر له فائدة عن التوكيد وهو أنهما حين (
أتيا أهل قرية ) لم يأتيا جميع أهل القرية إنما أتيا بعضهم ، فلما قال (
استطعما ) احتمل أنهما لم يستطعما إلا ذلك البعض الذي أتياه فجيء بلفظ أهلها ليعم جميعهم وأنهم يتبعونهم واحدا واحدا بالاستطعام ، ولو كان التركيب استطعامهم لكان عائدا على البعض المأتي .
وقرأ الجمهور "
يضيفوهما " بالتشديد من ضيف . وقرأ
ابن الزبير والحسن وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وعاصم في رواية
المفضل وأبان بكسر الضاد وإسكان الياء من أضاف ، كما تقول ميل وأمال ، وإسناد الإرادة إلى الجدار من المجاز البليغ والاستعارة البارعة ، وكثيرا ما يوجد في كلام العرب إسناد أشياء تكون من أفعال العقلاء إلى ما لا يعقل من الحيوان ، وإلى الجماد ، أو الحيوان الذي لا يعقل مكان العاقل لكان صادرا منه ذلك الفعل . وقد أكثر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره من إيراد الشواهد على ذلك ومن له أدنى مطالعة لكلام العرب لا يحتاج إلى شاهد في ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله ممن لا يعلم كان يجعل الضمير
للخضر ؛ لأن ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة ، فتمحل ليرده إلى ما هو عنده أصح وأفصح ، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز أدخل في الإعجاز انتهى . وما ذكره أهل أصول الفقه عن
أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني من أنه ينكر
المجاز في القرآن لعله لا يصح عنه ، وكيف يكون ذلك وهو أحد الأدباء الشعراء الفحول المجيدين في النظم والنثر .
[ ص: 152 ] وقرأ الجمهور "
ينقض " ، أي : يسقط من انقضاض الطائر ، ووزنه انفعل نحو انجر . قال صاحب اللوامح : من القضة وهي الحصى الصغار ، ومنه طعام قضض إذا كان فيه حصى ، فعلى هذا "
يريد أن ينقض " ، أي : يتفتت فيصير حصاة انتهى . وقيل : وزنه افعل من النقض كاحمر . وقرأ
أبي " ينقض " بضم الياء وفتح القاف والضاد مبنيا للمفعول من نقضته وهي مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي حرف
عبد الله وقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ( يريد لينقض ) كذلك إلا أنه منصوب بأن المقدرة بعد اللام . وقرأ
علي وعكرمة وأبو شيخ خيوان بن خالد الهنائي وخليد بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيى بن يعمر : ( ينقاص ) بالصاد غير معجمة مع الألف ، ووزنه ينفعل اللازم من قاص يقيص إذا كسرته تقول : قصيته فانقاص . قال
ابن خالويه : وتقول العرب : انقاصت السن إذا انشقت طولا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة : منقاص ومنكثب . وقيل : إذا تصدعت كيف كان . ومنه قول
أبي ذؤيب :
فراق كقيص السن فالصبر إنه لكل أناس عثرة وجبور
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : ( ينقاض ) بألف وضاد معجمة وهي من قولهم : قضته - معجمة - فانقاض ، أي : هدمته فانهدم . قال
أبو علي : والمشهور عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بصاد غير معجمة .
(
فأقامه ) الظاهر أنه لم يهدمه وبناه كما ذهب إليه بعضهم من أنه هدمه وقعد يبنيه . ووقع هذا في مصحف
عبد الله وأيد بقوله " لتخذت عليه أجرا " ؛ لأن بناءه بعد هدمه يستحق عليه أجرا . وقال
ابن جبير : مسحه بيده وأقامه فقام . وقيل : أقامه بعمود عمده به . وقال
مقاتل : سواه بالشيد ، أي : لبسه به وهو الجيار . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : دفعه بيده فاستقام وهذا أليق بحال الأنبياء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزمتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيا ، فلما أقام الجدار لم يتمالك
موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن "
قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا " وطلبت على عملك جعلا حتى تنتعش به وتستدفع الضرورة انتهى . قال
ابن عطية : وقوله "
لو شئت لاتخذت عليه أجرا " وإن لم يكن سؤالا ففي ضمنه الإنكار لفعله ، والقول بتصويب أخذ الأجر ، وفي ذلك تخطئة ترك الأجر انتهى . وقرأ
عبد الله والحسن وقتادة وابن بحرية ( لتخذت ) بتاء مفتوحة وخاء مكسورة ، يقال تخذ واتخذ نحو تبع واتبع ، افتعل من تخذ وأدغم التاء في التاء . قال الشاعر :
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق
والتاء أصل عند
البصريين وليس من الأخذ ، وزعم بعضهم أن الاتخاذ افتعال من الأخذ وأنهم ظنوا التاء أصلية فقالوا في الثلاثي تخذ ، كما قالوا تقي من اتقى . والظاهر أن هذا إشارة إلى قوله "
لو شئت " ، أي : هذا الإعراض سبب الفراق "
بيني وبينك " على حسب ما سبق من ميعاده . أنه قال "
إن سألتك " وهذه الجملة وإن لم تكن سؤالا فإنها تتضمنه ، إذ المعنى : ألم تكن تتخذ عليه أجرا لاحتياجنا إليه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قد تصور فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال
موسى - عليه السلام - "
إن سألتك عن شيء بعده فلا تصاحبني " فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه كما تقول : هذا أخوك فلا يكون هذا إشارة إلى غير الأخ انتهى . وفيما قاله نظر .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة "
فراق بيني " بالتنوين والجمهور على الإضافة . والبين قال
ابن عطية : الصلاح الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما ، وذلك مستعار فيه من الظرفية ومستعمل استعمال الأسماء ، وتكريره "
بيني وبينك " وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد . "
سأنبئك " ، أي : سأخبرك " بتأويل " ما رأيت من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، أي : بما آل إليه الأمر فيما كان ظاهره أن لا يكون . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب ( سأنبيك ) بإخلاص الياء من غير
[ ص: 153 ] همز . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كان قول
موسى في السفينة وفي الغلام لله ، وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا فكان سبب الفراق . وقال أرباب المعاني : هذه الأمثلة التي وقعت
لموسى مع
الخضر حجة على
موسى وإعجاله ، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي : يا
موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم ؟ فلما أنكر قتل الغلام قيل له : أين إنكارك هذا من وكز القبطي وقضائك عليه ؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجرة ؟ "
سأنبئك " في معاني هذا معك ولا أفارقك حتى أوضح لك ما استبهم عليك .