ثم ذكرا ما يدل على صدقهما في إرسالهما إليه فقالا (
قد جئناك بآية من ربك ) وتكرر أيضا قولهما (
من ربك ) على سبيل التوكيد بأنه مربوب مقهور ، والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد ، ولما كانا مشتركين في الرسالة صح نسبة المجيء بالآية إليهما وإن كانت صادرة من أحدهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
قد جئناك بآية من ربك ) جارية من الجملة الأولى وهي (
إنا رسولا ربك ) مجرى البيان والتفسير ؛ لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتها التي هي المجيء بالآية ، وإنما وحد بآية ولم يثن ومعه آيتان ؛ لأن المراد في هذا الموضع تثبيت الدعوى ببرهانها ، فكأنه قال : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة وكذلك (
قد جئتكم ببينة من ربكم ) (
فأت بآية إن كنت من الصادقين ) (
أولو جئتك بشيء مبين ) انتهى . وقيل : الآية اليد . وقيل : العصا ، والمعنى بآية تشهد لنا بأنا رسولا ربك . والظاهر أن قوله (
والسلام على من اتبع الهدى ) فصل للكلام ، فالسلام بمعنى التحية رغبا به عنه وجريا على العادة في التسليم عند الفراغ
[ ص: 247 ] من القول ، فسلما على متبعي الهدى وفي هذا توبيخ له . وفي هذا المعنى استعمل الناس هذه الآية في مخاطباتهم ومحاوراتهم . وقيل : هو مدرج متصل بقوله (
إنا قد أوحي إلينا ) فيكون إذ ذاك خبرا بسلامة المهتدين من العذاب . وقيل ( على ) بمعنى اللام ، أي : والسلامة ( لمن اتبع الهدى ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين ، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين انتهى . وهو تفسير غريب .
وقد ، يقال : السلام هنا السلامة من العذاب بدليل قوله (
إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) وبني ( أوحي ) لما لم يسم فاعله ، ولم يذكر الموحى ؛ لأن
فرعون كانت له بادرة فربما صدر منه في حق الموحي ما لا يليق به ، والمعنى على من كذب الأنبياء وتولى عن الإيمان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هذه أرجى آية في القرآن ؛ لأن المؤمن ما كذب وتولى فلا يناله شيء من العذاب . وفي الكلام حذف تقديره فأتيا
فرعون وقالا له ما أمرهما الله أن يبلغاه قال : (
فمن ربكما يا موسى ) خاطبهما معا وأفرد بالنداء
موسى . قال
ابن عطية : إذ كان صاحب عظم الرسالة وكريم الآيات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لأنه الأصل في النبوة
وهارون وزيره وتابعه ، ويحتمل أن يحمله خبثه وذعارته على استدعاء كلام
موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة
هارون والرتة في لسان
موسى ، ويدل عليه قوله : (
أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) انتهى .
واستبد
موسى - عليه السلام - بجواب
فرعون من حيث خصه بالسؤال والنداء معا ، ثم أعلمه من صفات الله تعالى بالصفة التي لا شرك
لفرعون فيها ولا بوجه مجاز . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق . انتهى . والمعنى أعطى كل ما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الإتقان لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا . وقال الشاعر :
وله في كل شيء خلقة وكذلك الله ما شاء فعل
وهذا قول
مجاهد وعطية ومقاتل ، وقال
الضحاك ( خلقه ) من المنفعة المنوطة به المطابقة له (
ثم هدى ) ، أي : يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه ، فأعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه . قال
القشيري : والخلق المخلوق ؛ لأن البطش والمشي والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء ، وعلى هذا مفعول ( أعطى ) الأول (
كل شيء ) والثاني ( خلقه ) وكذا في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير والسدي وهو أن المعنى (
أعطى كل شيء ) مخلوقه من جنسه ، أي : كل حيوان ذكر نظيره أنثى في الصورة . فلم يزاوج منهما غير جنسه ، ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه هداه إلى إلفه والاجتماع به والمناكحة . وقال
الحسن وقتادة (
أعطى كل شيء ) صلاحه وهداه لما يصلحه .
وقيل : (
كل شيء ) هو المفعول الثاني لأعطى و ( خلقه ) المفعول الأول ، أي : ( أعطى ) خليقته (
كل شيء ) يحتاجون إليه ويرتفقون به . وقرأ
عبد الله وأناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأبو نهيك وابن أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش والحسن ونصير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13609وابن نوح عن
قتيبة وسلام (
خلقه ) بفتح اللام فعلا ماضيا في موضع الصفة لكل شيء أو لشيء ، ومفعول ( أعطى ) الثاني حذف اقتصارا ، أي : (
كل شيء خلقه ) لم يخله من عطائه وإنعامه (
ثم هدى ) ، أي : عرف كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه . وقيل : حذف اختصارا لدلالة المعنى عليه ، أي : (
أعطى كل شيء خلقه ) ما يحتاج إليه ، وقدره
ابن عطية كماله أو مصلحته .